الأحد، 9 يناير 2011




مقابلة مع بروفيسور جيفري هيرف: الدعاية النازية للعالم العربي
أ. ميلار 8 شباط 2010
من مجلة المصري اليوم

جيفري هيرف هو أستاذ التاريخ الأوربي المعاصر بجامعة ميريلاند الأمريكية ومؤلف كتاب ((الدعاية النازية للعالم العربي)) الصادر عن جامعة ييل. وصدر له عام 2006 كتاب بعنوان ((العدو اليهودي: الدعاية النازية أثناء الحرب العالمية الثانية والمحرقة)). واليوم تناقش مجلة المصري اليوم مع هيرف كتابه الأخير.

المصري اليوم: يستعمل الغرب مصطلح معاداة الساميين بصورة عامة بالرغم من كون العرب واليهود كلاهما من العرق السامي. أليس هناك مصطلح أفضل من هذا؟
هيرف: يمكنك الرجوع إلى كتابي ((الدعاية النازية للعالم العربي)) للإجابة على هذا وغيره من الأسئلة، فقد كتبت فصلا كاملا عن الجهود المكثفة التي بذلها النظام النازي لتفادي استعمال هذا المصطلح بعينه، وشدد كبار المسؤولين النازيين على أن النظام يحركه بغض وعدوان تجاه اليهود من دون العرب والمسلمين بشكل عام. ويشير مصطلح معاداة السامية في الخطاب الأكاديمي منذ فترة طويلة إلى كره اليهود.
المصري اليوم: يقر معظم المؤرخين العرب بأن أفكار النازيين لم تجد أرضا خصبة في العالم العربي، إلا أنك تفترض العكس تماما في كتابك، فأين الأدلة التي تدعم موقفك هذا؟
هيرف: داوم البث الإذاعي النازي باللغة العربية أثناء الحرب العالمية الثانية والموجه إلى منطقة الشرق الأوسط على مهاجمة الصهيونية واليهود معا، وكان محور الدعاية النازية أبان الحرب وجود مؤامرة يهودية عالمية تلعب دورا رئيسيا في السياسة العالمية وهي فكرة سخيفة وباطلة. واستمر هذا التفكير التآمري المرتكز إلى قوة اليهود المفترضة في الشرق الأوسط حتى بعد انتهاء الحرب، فنرى أصداء لتصوير الدعاية النازية لليهود كأشخاص حقراء ومكروهين، والإيمان بأنهم أشرار بطبيعتهم ويجب معاقبتهم، نراها في منشورات الإخوان المسلمين وكتابات سيد قطب ونشاطات الحاج محمد أمين الحسيني بعد انتهاء الحرب، وفي الدعاية المصرية الحكومية في ظل النظام الناصري وميثاق حماس عام 1988.
المصري اليوم: تدعي في كتابك بأن النازيين استعملوا التراث الإسلامي لزيادة الكراهية ضد اليهود، فكيف ذلك؟
هيرف: قرر المسؤولون النازيون عن الدعاية الموجهة إلى العرب والمسلمين أن القراءة الانتقائية للقرآن والتفاسير هي أكثر الطرق فعالية في الوصول إلى هؤلاء المستمعين، واستندوا في ذلك إلى النصوص المضادة لليهود الموجودة فعلا في هذه الكتب فقدموا الإسلام بأكمله، وليس الإسلام المتطرف أو الأصولي أو السياسي أو الجهادي فحسب، كدين مشبع بكراهية اليهود هي جزء لا يتجزأ منه. وفي رأي هؤلاء النازيين صار اليهود "أعداء" للنبي محمد منذ لحظة رفضهم اعتناق الإسلام، مما جعل الدعاية النازية باللغة العربية تضع لأحداث القرن العشرين بعدا ضمنيا أطول بكثير يرتكز على عداوة اليهود المزعومة للإسلام كدين، وهو زعم لا حقيقة فيه. ووصفوا تطلعات الصهيونية كآخر فصل في المحاولة اليهودية لتدمير الإسلام والتي زعم أن لها تاريخا طويلا. واجتهد النازيون في إيجاد آيات من القرآن ونصوص تفسيرية اشتملت على تعليقات تتسم بكراهية اليهود وتحقيرهم.
المصري اليوم: ذكرت بأن أهم الشخصيات التي استعان بها النازيون في منطقة الشرق الأوسط هو الحاج محمد أمين الحسيني، مفتي القدس من 1921 إلى 1948. صراع الحسيني ضد الاحتلال البريطاني والصهيونية في فلسطين يسبق ذهابه إلى ألمانيا بفترة طويلة ولم تطرأ على أفكاره تغيرات جذرية بعد رحلته إلى هناك. فهل لديك من الأدلة ما يثبت موقفك؟
هيرف: لم يكن تعاون الحسيني مع النظام النازي مجرد تحالفا مناسب يرتكز إلى المقولة القائلة بأن عدو عدوي هو صديقي. فقد تلاقت العقول والألباب في برلين أثناء الحرب عند التقاء الحسيني والإسلاميين المتطرفين والعرب المنفيين هناك مع هتلر ومسؤولين من وزارة الخارجية الألمانية والقوات الخاصة. إن عددا من البرامج الإذاعية العربية التي كتبها وعمل على إذاعتها الحسيني وغيره من المنفيين العرب والإسلاميين الموالين للنازية تدعو المستمعين علانية إلى "قتل اليهود".
يحتوي كتاب ((الدعاية النازية للعالم العربي)) على وثائق جديدة تدل على أن الحسيني جاء إلى برلين وفي قلبه كره شديد لليهود وعلى مهارته في المزج بين تعصبه وبين النظريات التآمرية التي انبثقت من النظام النازي. مصدر هذه الوثائق ملفات من السفارة الأمريكية في القاهرة أثناء الحرب، وملفات من وزارة الخارجية الألمانية والقوات الخاصة في ألمانيا. وكان الأمريكيون في القاهرة أثناء الحرب ينقلون ما يذيعه الحسيني ويونس بحري وغيرهما ويترجمونه، ثم يرسلون بهذه النصوص إلى وزارة الخارجية في واشنطن. وكانت لهذه الوثائق التي تحتفظ بها أرشيفات الحكومة الأمريكية أهمية خاصة بالنسبة لكتابي الجديد إذ إنها تبين بأن أحد فصول تاريخ الإسلام المتطرف الطويل كتب في برلين أيام الحرب العالمية الثانية في فترة لم تكن تعاني من تصادم الحضارات بل كان يسودها توافق بين القلوب والأذهان مبني على أسوأ عناصر تلك الحضارات.
المصري اليوم: إذا افترضنا بأن الدعاية النازية ضد اليهود أثرت على المنطقة العربية، فلماذا لم تنته بعد سقوط النازية؟
هيرف: سبق وشرحت في كتابي ((العدو اليهودي: الدعاية النازية أثناء الحرب العالمية الثانية والمحرقة)) أن النظام النازي إدعى بأن اليهود هم المسؤولون عن نشوب الحرب العالمية الثانية وبأنهم كانوا يتحكمون في حكومات بريطانيا والولايات الأمريكية والاتحاد السوفيتي. ففي الذهنية النازية المتعصبة، يتساوى فوز الحلفاء في الحرب العالمية الثانية بفوز اليهود فيها. ولم تقوض إبادتهم ليهود أوربا هذا التشويه المدفوع بالإيديولوجيا في أذهانهم. وحملت إذاعة النازيين للدعاية باللغة العربية هذه الفكرة إلى الشرق الأوسط، مشددة على أن فوز الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفيتي ستعني فوز اليهود. وأكد تأسيس الدولة الإسرائيلية عام 1948 في أذهان المتعاطفين مع النازية وأنصارهم من الإسلاميين المتطرفين والعرب والفرس بأن توقعات الدعاية النازية كانت دقيقة للغاية.
المصري اليوم: ما قولك في الرأي القائل بأن تأسيس الدولة الإسرائيلية كان السبب الرئيسي في عداوة العرب ضد الإسرائيليين؟
هيرف: بطبيعة الحال أدى الصراع بين إسرائيل والدول العربية، وبينها وبين الفلسطينيين إلى عداوة هائلة على كافة جوانبه. إلا أن سؤالك يعكس أسباب حرب 48 والفشل في الوصول إلى حل سلمي دائم منذ ذلك الوقت. في كل الأوقات كان هناك عرب، وفلسطينيون، يرغبون في الوصول إلى حل وسط مع إسرائيل، ومن أبرزهم الرئيس المصري أنور السادات. إلا أن من وجد فيهم ضالته في النازية، من أمثال الحسيني، والذين شكلوا خليطا من النازية والإسلام المتطرف من أمثال حسن البنا وسيد قطب، هؤلاء منذ البداية رفضوا رفضا باتا الوصول إلى أي تسوية مع إسرائيل، ولم يفرقوا بين اليهود والصهيونية وتصدوا لا لسياسات إسرائيل فحسب بل ولوجود دولة يهودية في فلسطين أصلا. هؤلاء العرب والمسلمون الذين دعوا إلى التسوية واجهوا خطر الاغتيال من المتطرفين الإسلاميين والقوميين، كما بين اغتيال أنور السادات.
المصري اليوم: كيف تفسر إذن أن يهود مصر حافظوا على حقهم في الجنسية المصرية حتى مغادرتهم مصر بعد حرب 1956؟
هيرف: إن هروب اليهود المصريين منها بدأ بعد العنف الموجه ضدهم هناك في السنوات التالية للحرب العالمية الثانية، وهو العنف الذي تفاقم بشدة بعد حرب 1948. كان هناك حوالي 700 ألف يهودي يعيشون في الدول العربية قبل تأسيس إسرائيل، واضطروا للجوء إليها بعد تعرضهم للتهديد والأعمال العدوانية في بلادهم وهروبهم حفاظا على سلامتهم وحياتهم. ومع ذلك فإن خروج هذا العدد الضخم من اليهود من الدول العربية لا يذكر في السياسة الدولية.
المصري اليوم: تدعي بأن الدعاية النازية أثرت في الحركات الإسلامية المعاصرة، فكيف ذلك؟
هيرف: يمكن الرجوع بأصولها إلى الحسيني مرورا بقطب والإخوان المسلمين والمنظمات ذات الصلة بهم من أمثال حماس وحزب الله. ويحتوي ميثاق حماس المنشور عام 1988 على ذات السخافات بشأن تاريخ أوربا التي يمكننا قراءتها في دعايات النازيين في أربعينات القرن الماضي. كما ويذكرنا مزيج الكراهية الموجهة ضد اليهود والديمقراطية الليبرالية والولايات المتحدة بعواطف مماثلة في فترة النازية.
المصري اليوم: تعادي معظم الجماعات الإسلامية الولايات المتحدة بقدر ما تعادي إسرائيل، فلماذا تركيزك فقط على معاداة السامية في كتاباتك؟
هيرف: كما أشرت إلى ذلك، فإن معاداة السامية المعاصرة في أوربا وكراهية اليهود التي انتشرت في الشرق الأوسط في إيران ووسط الجماعات الإسلامية بشكل عام، كانت وستبقى معادية للولايات الأمريكية ولإسرائيل، لأن كلا هاتين الدولتين ذات نظام ديمقراطي ليبرالي ترفض فكرة وجود شي اسمه الحق المطلق المبني على الدين ويتحكم في كافة نواحي الحياة. وكل من الولايات المتحدة وإسرائيل تتبنى فكرة حقوق الفرد وكلاهما تدافعان عن أنفسهما ضد حرب تشن ضدهما باسم الإسلام. أنا لا أشدد على معاداة السامية فحسب، ولكن كما هو الحال في فكل الحركات الديكتاتورية السابقة فإن معاداة السامية المعاصرة لا تنفصل أبدا عن رفض الحداثة الليبرالية إجمالا.
المصري اليوم: كيف تفسر التناقض الذي يحدث في الدول الديمقراطية التي تدافع عن حق التعبير من جهة بينما تسن قوانين تزج في السجون بكل من ينكر علنا حدوث المحرقة؟
هيرف: لا يعتبر إنكار المحرقة في الولايات المتحدة جريمة بل نفهمه على أنه تعبير عن التعاطف مع النازية واحتقار للحقائق والأدلة. إن إنكار أكثر الجرائم توثيقا في تاريخ البشرية يجردك من أهلية أن تكون مؤرخا محترفا، فناكر المحرقة كذاب أحمق لا يخفي كراهيته لليهود البتة. إلا أن في بلادي لا يزج بهؤلاء في السجون. أما ألمانيا والنمسا وهما الدولتان اللتان تأسست فيهما الاشتراكية القومية، فيعتبر إنكار المحرقة جريمة لأن وضعهما المحلي يجعل إضفاء الشرعية من أي نوع على هذه الأفكار مخاطرة كبرى.