السبت، 17 نوفمبر 2007

ديان ومذاهب جديدة جذورها في الإسلام - الحلقة (7)‏


"قل يا قوم دعوا الرذائل وخُذوا الفضائل، كونوا قدوةً حسنةً بين الناس، وصحيفةً يتذكّر بها الأُناس ... كونوا في الطرْف عفيفاً، وفي اليد أميناً، وفي اللسان صادقاً، وفي القلب متذكراً.. كن في النعمة مُنفقاً، وفي فقدها شاكراً، وفي الحقوق أميناً ... وفي الوعد وفيّاً، وفي الأمور منصفاً ... [وكن] للمهموم فَرَجاً، وللظمآن بحراً، وللمكروب ملجأ وللمظلوم ناصراً، وللغريب وطناً، وللمريض شفاءً، وللمستجير حصناً، وللضرير بصراً، ولمن ضلّ صراطاً، ولوجه الصدق جمالاً، ولهيكل الأمانة طرازاً، ولبيت الأخلاق عرشاً..."

كلمات جميلة تنم عن محبة قائلها للبشرية، يشنق العاملين بها ويقتلون رميا بالرصاص، ويعتبر اغتصاب نسائهم حلالا وتشريدهم من بيوتهم وطردهم من البلاد نعمة. ولأنهم يدعون بتساوي البشر أمام الله، وبأن كل الأديان (بما فيها دينهم) ما هي إلا طرق مختلفة نحو الذات الإلهية، ولأن الحرب والكذب محرم عليهم، يكرههم الجميع - مسلمين ومسيحيون على حد سواء. فبالنسبة للأوائل هم زنادقة خرجوا من الإسلام من أوسع أبوبه لأنهم لا يعترفون بمحمد خاتما للأنبياء، وبالنسبة للمسيحيين لأنهم لا يعتبرون الإيمان بالمسيح سبيلا أوحد نحو الخلاص. أما العالم المتحضر الذي تعدى مرحلة المحرقات الدينية والتفرقة على أساس من كانت الجنة حكرا عليه، فقد اعترف بهم ديانة عالمية في الأمم المتحدة مع قلتهم – فهم لم يتعدون 5 ملايين شخص في العالم أجمع.

ليست ديانتهم بالقديمة، بل بزغت إلى الوجود من تأملات شيعي فارسي في عام 1844 في مدينة شيراز العتيقة، عندما بدأ السيد على محمد والذي عرف فيما بعد بالباب بث تعاليم جديدة وسط المسلمين رفعت من درجات غضب رجال الدين آنذاك إلى إن قاموا بإعدامه في عام 1850. وكان من أهم هرطقات الباب إدعائه بأنه يجهز لنبي جديد ستكون له أهمية عالمية وسيقود البشر إلى السلام، وبأن إسم هذا النبي سيكون بهاء الله.

من بين الذين اتبعوا تعاليم الباب في بداية الأمر أحد النبلاء الفرس واسمه ميرزا حسينعلى نوري، والذي ولد عام 1817 في بوابة شمران بالقرب من طهران. وهو من سلالى الساسانيين وكان والده يمتلك أراضي شاسعة في منطقة مازندران. وعند وفاة ميرزا عباس عام 1839 م، قام بقضاء عدة أعوام في إدارة أملاك العائلة والاستمرار بالمشاركة بشكل واسع في أعمال الخير، حتى أطلق عليه أهل المنطقة لقب "أبو الفقراء".

أمن ميرزا بتعاليم الباب وهو في الثامنة عشر وقام على نشرها وقد حمته مكانة أسرته بعض الشيء من الاضطهاد ألا أن وبعد مقتل الباب سجن ميرزا عام 1853 في طهران حيث نال من التعذيب ما نال وشاهد العديد من أقرانه يعذبون ويقتلون بأبشع الطرق. وحسب التعاليم البهائية أتته رؤية وهو في السجن بأنه هو النبي الذي بشر به الباب، فاتخذ اسم بهاء الله وقبل به معظم أتباع الباب السابقين. وبعد مرور أربعة أشهر أطلق سراحه ونفي إلى عدة أماكن مختلفة في الشرق الأوسط قضى فيها ما يربو على 40 عاما يعلم ويبشر برسالته الثورية: فهو النبي الذي يكمل رسالات كل الأديان – هو التجسد الخامس لبوذا كما هو تجسد لكريشنا والمسيا المنتظر لدى اليهود وعودة المسيح للمسيحيين، ورسالته هي التي تحضر لملكوت الله على الأرض.

وفي نهاية الأمر قامت الحكومة التركية بنفيه وسجنه نهائيا بقلعة عكا مع أسرته عام 1868. وأثناء سجنه كتب بهاء ما يزيد عن 15 ألف مخطوطة حول الحكم، والفلسفة والقانون والأخلاق والروحانيات والسلوك الشخصي. وتعتبر هذه الكتابات الآن جزء من شريعة البهائيين. كما راسل العديد من الشخصيات العالمية منها الامبراطور نابليون الثالث، والملكة فيكتوريا والبابا بيوس التاسع، وعدد من رؤساء الولايات الأمريكية المتحدة آنذاك. كما زاره في قلعة عكا عدد من المفكرين الغربيين الذين قاموا بنشر تعاليمه في العالم.

وعندما توفي بهاء الله عام 1892 كانت حركته قد تأسست جيدا وتنامت، وأوصى أن يخلفه إبنه الكبير عبد البهاء في تفسير كتاباته وقيادة البهائين. ألا أن عبد البهاء توفى عام 1921 تاركا حفيده شوقي أفندى رباني ليقود البهائيين حتى وفاته هو الآخر عام 1957.
تأسس دار العدل للبهائية عام 1963 بالانتخاب الديمقراطي شارك فيه كل بهائيو العالم ليمسك بزمام الديانة بعد وفاة آخر عضو في عائلة بهاء الله. ويعتقد البهائيون بأن أعضاء الدار يأتيهم الإرشاد من الله وأنهم منزهون عن الخطأ وبأنهم يرسون ملكوت الله في العالم.

بماذا يؤمن البهائيون؟ ثلاثة هي أركان إيمانهم: وحدة الله، وحدة الأديان ووحدة البشرية. الله واحد أحد خالقا الحياة وحافظها، وإن كان البشر يدعونه بأسماء مختلفة. كل الخليقة تعكس جمال الله وبهائه والله سامي عليها ولكنه يظهر نفسه للبشر من خلال خليقته. وهو يظهر نفسه أيضا في أنبيائه الذين أسسوا كل الأديان في العالم وجاءوا ليعلموا البشر طبيعة الروحانيات وكيفية التعايش. وبالرغم من أن بهاء الله هو أخر "ظهور" لله ألا أنه لن يكون الأخير، فسوف يأتي بعده آخرون. كل الأديان السابقة واللاحقة إنما هي وحي تدريجي من الله ينزله على قدر استطاعة البشر استيعابه. إذا هناك دين واحد، وكل ما مر إنما هي مراحله المختلفة. فالحقائق الروحية لكل الأديان متماثلة ولا تبدو الأديان لنا مختلفة ألا بسبب ما تحتويه من قوانين اجتماعية مختلفة. كما شرح بهاء الله التناقضات الموجودة في النبوات المختلفة على أنها نتيجة التفاسير البشرية الخاطئة لها.

يمتنع البهائيون عن تناول الكحول والمخدرات (حتى التدخين محرم عليهم) والتمسك بالأخلاق العالية والصدق في التعامل مع الآخرين. وهم يصومون ويصلون كثيرا، ويعملون على التوعية للحد من التسليح العالمي والتفرقة بكل أنواعها وتوزيع الثروات على سكان العالم بشكل أكثر عدلا. وينبع هذا النشاط من إيمانهم بوحدة البشرية وكون كل فرد منا عضوا في أسرة إنسانية كبرى جامعة. "الأرض دولة واحدة مواطنوها البشر" – ولا يمكن الوصول إلى سلام دائم يعم العالم إلا بالتخلص من كل أشكال التفرقة والاضطهاد.

يقع مركز البهائية العالمي في حيفا بإسرائيل ولهم مراكز تعبد أخرى في كافة أنحاء العالم. أما في إيران الإسلامية، من حيث بزغ دين التسامح والشمل هذا، فالبهائيون يتعرضون لأصناف اضطهاد يشيب لها شعر الرأس، من شنق وقتل واغتصاب للنساء ونزع الممتلكات والإجبار على إشهار الإسلام إلخ. وقد داومت الدول الغربية على إعطاء البهائيين الإيرانيين حق اللجوء السياسي منذ سنوات طويلة وجاء العديد من الأسر البهائية إلى أستراليا حيث يحترم مجتمعها أخلاقهم العالية ونشاطهم الاجتماعي الهادف إلى تحسين وضع المستضعفين على الأرض لا لغرض في نفس يعقوب إلا إيمانهم القوى بأن كل منا أخ للآخر.

أما بقيتنا، من أوصاه نبيه بالعناية بسابع جار (دون تحديد عرقه أو دينه)، ومن أوصاه مسيحه بالصفح سبع مرات سبعين مرة (أيضا بدون تحديد نوعية هذا الأخ) فقولي لي بالله ماذا نفعل حاملين السلاح، رافعين أصواتنا بالكراهية، رافضين رؤية أننا كلنا نولد لنموت؟

وهل يجوز السؤال؟

هناك تعليق واحد:

Nesreen Akhtarkhavari يقول...

شكرا على الوصف الموضوعي للبهائية. ماذا سيبقي من إنسانيتنا إذا ما عاد يجوز لنا السؤال؟ أنا كبهائية أعرف بأن المشكلة ليست فيما نطرحه من مبادئ وحلول، فنحن كما أوضحت مشكورا، ندعو للمحبة والتعايش السلمي مع كل الملل والشعوب تحت ظل إنسانيتنا المشتركة. المشكلة أننا كغيرنا "وربما أكثر حبتين" في عالمنا العربي نعاني من قمع حرية الفكر وحرية العقيدة بالإضافة إلى العديد من الحريات الأخرى. ما يجعلنا عرضة للاستبداد هو أننا نؤمن بعدم التحزب والعمل على قلب الأنظمة والتدخل المباشر في الساحة السياسية، لأننا نرى أن العالم أكثر حاجة إلى استعمال مواردنا البشرية والمالية في دعم مشاريع تساعد الأفراد وتحسن معيشتهم وخاصة الفئات المهضومة الحقوق كالمرأة والطفل، من حاجته إلى تدخلنا في معممة السياسة ومتاهاتها. أضف إلى ذلك أننا لا نؤمن بالعنف والثأر،لذلك يرى بعض الجبناء أننا ضحية سهلة المنال يمكن مطاردتها وتكفيرها وتقديمها كبش فداء لمصالحهم السياسية دون المخاطرة بانتقامها وثأرها. ومع أن مثل هذه الممارسات تؤدي إلى تضرر البهائيين كأفراد، لكنها لا تمس بسمعة البهائية كدين ومبدأ. فمثل هذه الانتهاكات تفضح حقيقة المعتدي وتكشف كنه أخلاقياته ,معتقداته وأفكاره وتضر بدينه الذي هو براء من هذه الممارسات! ربما قدّر للبهائيين في عالمنا العربي أن يكونوا الشمعة التي تحترق لتكشف حقيقة المستبدين والاستغلالين والمفترين على الدين، وتخلق وعي أكبر في مجتمعاتنا العربية؟ إذا كان هذا هو الحل الوحيد فليكن!؟