الأحد، 9 يناير 2011

قلق الأقباط يزداد مع ارتفاع التوتر في مصر

منذ عام تقريبا، وبالتحديد في السابع من فبراير 2010، نشرت صحيفة لوس أنجليس تايمز مقالة بقلم جيفري فلايشمان عن القلق المتزايد وسط أقباط مصر بسبب ارتفاع التوجه المحافظ وسط المسلمين في البلاد والمستقبل المجهول الذي يواجه المسيحيين فيها، أمر زادته حوادث القتل وأعمال الشغب سوءا. ومن الأجدر أن أنشر هذه المقالة هنا اليوم بعد أحداث الإسكندرية الدامية ليلة رأس السنة.

*****

(القاهرة) – القمص متياس منقريوس يخدم وسط جامعي القمامة ويصدر صحيفة للأقباط المصرين من مكتبه الذي يفيض بملفات أرشيف بالية، وسط ضجة المنادين على أسعار الخضر والسمك بين أزقة يملؤها الطين في حي من أحياء القاهرة الفقيرة. الحياة هنا صعبة، ومحاولة الحصول على ما يسد الرمق تستمر من الفجر وحتى ساعات متأخرة من الليل، وكثيرا ما لا تأتي إلا بأقل القليل. إلا أن معالم القلق على وجه الأنبا متياس المؤطر بذقنه الشائبة لها علاقة بالتمييز والامتعاض المتزايد وسط المسلمين الذين يهاجمون الأديرة ويعلمون أطفالهم بأن المسيحيين كفار، أكثر من قلقه من الفقر المدقع وسط جاليته.

يقول القمص متياس إن "الوضع خطير اليوم، فمصر تتجه إلى اتجاهات جديدة بدأت تؤثر على التفاهم بين الأديان. وهذا الموقف يتضح لنا ليس وسط عامة الشعب من المسلمين فحسب بل أيضا وسط المستويات العليا من الحكومة والمسؤولين المسلمين."

تعايش المسلمون والأقباط في مصر لقرون اتسم معظمها بسلام نسبي تتخلله نوبات من سفك الدماء وتبادل الاتهامات، إلا أنه وفي السنوات الأخيرة تراجع التسامح وتضاعفت التوترات في المجتمع المصري الذي يشكل المسلمون أغلبية فيه صارت محافظة بشكل متزايد وميالة إلى التمييز الديني في المدارس والجهات الحكومية والأحياء التي يسكنها أفراد من كلا الملتين.

زاد المناخ توترا بعدما تعرض أسقف قبطي للتهديد بالقتل هذا الشهر ولقي ستة أقباط شمال الأقصر حتفهم أثناء حضورهم قداس عيد الميلاد المجيد على يد مسلحين أطلقوا النار عليهم من سيارة. ويقال إن الأمر كان ثأرا لفتاة مسلمة يدعى أن الأقباط قاموا باغتصابها. وأبرزت جريمة القتل هذه للعامة سنوات من التوتر الطائفي في قرية نجع حمادي حيث اندلعت على الفور أعمال الشغب وأحرقت محلات وأعمال تجارية.

اتهمت جماعة من المنادين بحقوق الإنسان عضوا في الحزب الحاكم بالتحريض على العداوة من خلال علاقته بأحد المهاجمين، ورفعت قضية تدعي فيها أن عضو المجلس التشريعي عبد الرحيم الغول تدخل لإطلاق سراح واحد من المسلحين قبل أيام من حادثة إطلاق النار على الكنيسة، ونفى الغول أنه قام بذلك بسوء نية بينما أعلن مكتب المدعي العام عدم وجود مؤامرة كبرى في الأمر.

يقول أشرف راضي، وهو ناشط سياسي مسلم أدان عملية القتل، إن هناك حاجة إلى تحقيق برلماني لمعرفة الجهات التي كانت خلف المجزرة. "من الواضح لنا كلنا أن المجرمين أو المرتزقة الثلاثة لم يقوموا بهذا العمل لوحدهم بل بمساندة شخص في السلطة."

صبت الجريمة الزيت على نار التحيز الديني العميق وسط أمة يثور فيها رجال الدين المسلمين ضد فرض منع على مآذن المساجد في سويسرا بينما يغضون النظر عن الانتهاكات التي يتعرض لها الأقباط في بلادهم أو حماية حقوقهم. يقول محمد الشبه، رئيس تحرير صحيفة نهضة مصر المستقلة إن "نجع حمادي لم تكن حادثة فردية، بل جريمة سياسية دينية وحكومية قبل كل شيء، سببها تخلف النظام التعليمي الذي يشع عنصرية وتطرفا واحتقارا للغير. وهي أيضا جريمة اقتصادية لأنها وقعت في الصعيد الذي عانى لسنوات طويلة من إهمال الحكومة له."

هناك من يحذر من عدم تحميل الحادثة أكثر من الواقع لأن التوترات الدينية والأسرية في نجع حمادي ليست تعبيرا عن الرأي العام في مصر. ونقلت صحيفة الأهرام الحكومية عن حسني مبارك قوله بأن المصريين شعب واحد وليسوا بمتعصبين دينيا لأنهم كلهم أبناء هذه الأرض وليس هناك فرق بين مصري مسلم أو مسيحي أو يهودي.

يشكل الأقباط حوالي 10 بالمائة من سكان مصر البالغ عددهم 82 مليون نسمة. وتسبق الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التي أسسها الرسول مرقص في القرن الأول الميلادي الإسلام بمئات السنين. إلا أن تأثيرها لا يتعدي المنابر وردهات الكنائس: فكل طلاب المدارس الحكومية على اختلاف أديانهم مجبرون على تعلم تلاوة القرآن كجزء من منهج اللغة العربية، بينما أساس كافة القوانين المدنية في مصر هي مبادئ الشريعة الإسلامية. ومع أن الدستور المصري يحمي حرية العبادة، إلا أن بعض الكنائس تعرض للهجوم بينما عانىغيرها من النزاعات على الأرض والتدقيق الحكومي لسنوات قبل أن يسمح ببنائها. وتجعل المحاكم من المستحيل تغيير الهوية الدينية على بطاقات من اعتنقوا المسيحية بل إن التهديد بالقتل يجبر بعضهم على الاختباء أو مغادرة البلاد. وأوقف مجمع البحوث الإسلامية التابع لجامعة الأزهر نشر كتاب له بعدما اعترض الأقباط على أن وصفه للمسيحية يجعلها تبدو كنوع من عبادة الأصنام.

وصل الإسلام المحافظ إلى مصر في السبعينات مع عودة العمال المغتربين من السعودية ودول الخليج العربي، وارتفعت وتيرته في التسعينات. واليوم تعمل الحكومة المصرية على إسكات الأصوات الإسلامية المتطرفة مع عدم التعرض لغضب شعبها المسلم بينما تزداد وسائل الإعلام العامة ورعا في محتواها. ويقول الأقباط إن هذه المعضلة تجعلهم عرضة للهجوم في وقت تزداد فيه الضغوط الاقتصادية والاجتماعية في مصر. أما القيادات الكنسية فتفضل الحلول الدبلوماسية ولا تقوم بانتقاد حكومة حسني مبارك علانية.

الصائغ عوني ميخائيل يتهرب من الحديث عن هذه الأوضاع المتقلبة. فهو قبطي يملك متجرا للمجوهرات في القاهرة حيث عملاؤه من النساء المحجبات والرجال الذين يحملون وشم الصليب على معاصمهم. يلعب الصبيان بقطع الرخام على التراب خارج دكانه، ويجلس شرطيان بالقرب من محل صائغ قبطي آخر أغلق بعد هجوم بالمدافع الرشاشة عام 2008 مات فيه أربعة من موظفيه الأقباط. خلف عوني جهاز تلفزيون يذيع حديثا للبابا شنودة الثالث من الإسكندرية. "أتعامل مع المسلمين كل يوم. وقد تركت محلي الثاني لتوي لأحضر شيئا من هنا، وهناك اثنان من عملائي المسلمين ينتظرونني به لوحدهما. بإمكانهما سرقة ما يريدانه، ولكني أثق فيهما. فالأمور ليست بهذا السوء.. لا أرغب في رؤية تفاعل لما حدث في نجع حمادي ولكن وسائل الإعلام ستحاول تكبير الأمور. صحيح إن المسلمين صاروا محافظين أكثر ولكني أساند الحكومة في محاولاتها إيقاف المد الإسلامي المتطرف."

على مسافة دقائق منه، في حي الزبالين بالمقطم، يعمل القمص متياس منقريوس بمكتبه على صحيفته التي أطلق عليها اسم "الكتيبة الطيبية" تيمنا بفريق من الجنود الأقباط في القرن الثالث الميلادي حاربوا مع الرومان ولكنهم رفضوا عبادة الأوثان وبالتالي تم إعدامهم جميعا. وهو يتذكر طفولته في الستينات والرموز الدالة آنذاك على الهوية الدينية: وشم الصليب للمسيحيين وزبيبة الصلاة على جبهات المسلمين. إلا أنه في معظم الحالات كان الناس يختلطون بعضهم بالبعض بدون قلق لأن الأقباط لم يلحوا حينها على المطالبة بحقوقهم. ولم يتوقع القمص متياس في شبابه حدوث التوترات الحالية، لأن تعايش الأقباط مع المسلمين لم يكن حينها مشكلة. ولكن الأمر تغير الآن. ويقول "إن الحكومة المصرية لا يقلقها شغب قبطي لأن الأقباط ليست لديهم حركات مسلحة أو أحزاب سياسية. الأقباط لا يشكلون تهديدا للحكومة، وليس لدينا سوى أصواتنا نصرخ بها."


ليست هناك تعليقات: