الثلاثاء، 1 أبريل 2008

الجزء الرابع– الجزائر



شابه تاريخ اليهود في الجزائر جارتها المغرب في العديد من الأوجه: ففي كلا الدولتين يضيع أصل اليهود في الأساطير التي تعود إلى زمن هيكل سليمان، وفي كليهما تبين المعلومات التاريخية – كالنقوش على ‏القبور مثلا – بأن اليهود تواجدوا هنا منذ القرون الميلادية الأولى، عندما كانت المنطقة تقع تحت وطأة الحكم الروماني. ولكن الفرق يكمن في أن أسماء يهود الجزائر على القبور التاريخية هذه مكتوب بالأحرف ‏اللاتينية وليست العبرية كما هو الحال في المغرب، مما يستدعي التكهن بأن أول الاستيطان اليهودي في الجزائر كان من قبل يهود إيطاليا. ‏
وارتفع عدد اليهود في الجزائر أبان أيام قبائل الواندال، واختارهم الامبراطور جاستنيان في القرن السادس الميلادي بالاسم في قراره التمييزي أسوة بأتباع آريوس والوثنيين. وجاءت الاضطهادات على يد ‏القوطيين في أسبانيا في القرن السابع بموجات من اللاجئين اليهود إلى البلاد، حتى يذكر ابن خلدون بأن قبائل البربر التي تهودنت في المغرب والجزائر كانت كثيرة العدد. وحارب اليهود في الجزائر إلى جانب ‏البربر ضد الغزاة العرب كما حدث في المغرب، وكان النصر العربي ختاما لليهودية كعامل ديني رئيسي في كلا البلدين. ومن بقى معتنقا لليهودية صار ذميا ومن الرعية المحمية من قبل الأسياد المسلمين مقابل ‏دفعه للجيزة. ‏
وفي الفترة ما بين القرن الحادي عشر والثالث عشر حكم المرابطون والموحدون شمال الجزائر، ثم ظهرت الممالك ومجموعات القبائل المحلية المستقلة لتحكم المنطقة – وكان العديد منها من البربر، مثل العشور ‏وتيارت وقلعة حماد، وكانت هناك جاليات يهودية في كل منها. وظهر أول اليهود السفراديم في الجزائر كسفراء لملوك إسبانيا المسيحيين، مما أمكنهم من التعرف على وضع اليهود في الجزائر، الذي كان آنذاك ‏جيدا نسبيا. وبالتالي، عندما طرد اليهود من يابسة أسبانيا وجزرها عام 1391، استقر حال العديد منهم بمدن وهران والمستغانم وميناء تنس وشرشال والجزائر العاصمة وبجاية، كما توغلوا في داخل البلاد. ‏
وعلى عكس موقف اليهود المغاربة الأصليين تجاه الوافدين السفراديم الجدد، فقد تم الترحيب بهم في بادئ الأمر من قبل الجاليات اليهودية الجزائرية المقيمة. ولم يمض وقت طويل حتى صار السفردايم ‏النشيطين من قادة العمل التجاري في البلاد، حتى عرف درب الذهب المؤدي إلى السودان بدرب اليهود وصارت محطته النهائية في مدينة تلمسان في شمال غرب الجزائر – والتي كانت أيضا بوابة الجزائر إلى ‏البحر المتوسط – مركزا حيويا للنشاط التجاري اليهودي. ومع ازدياد عدد اليهود الوافدين، بدأ المقيمون من اليهود الأصليين يقلقون على مراكزهم، وانعكس ذلك في التوتر الذي عم العلاقات بين شطري ‏الجالية عند محاولة الجالية الأقدم مقاومة فرض الوافدين الجدد لسيطرتهم على الجالية. واستمرت هذه الصراعات عدة أجيال ثم تلاشت مع تخلي السفراديم عن لغتهم اللادينو وتبنيهم للعبرو-عربية التي كان ‏اليهود الجزائريون يتحدثون بها، واندماج المجموعتين في جالية واحدة. ‏
ولكن قبل أن يحدث ذلك كان السفراديم قد نظموا التجارة بين قارتي أفريقيا وأوربا، مصدرين الذهب من توات وريش النعام من ميزب، بالإضافة إلى السجاجيد والعباءات والصوف والجلود والحبوب، ‏ومستوردين للمنتجات الأوربية مقابلها. وكان أثرياء اليهود يملكون الأطيان والعبيد والماشية. وبصفتهم منحدرين من أصل المهاجرين (وهنا أيضا كانوا يسمون بالقوراشيم كما كانت العادة في المغرب) كانوا ‏معفيين من دفع الجزية. وقد عاش السفراديم لعدة أجيال، حتى اندماجهم مع اليهود الأصليين، في أحياء منفصلة خاصة بهم، وكانت لهم دور العبادة الخاصة بهم ومدافنهم، كما كانوا يرتدون لباسا مختلفا – فقد ‏عرفوا باسم "بعلي هاكيبوت" أي مرتدوا الطواقي، بينما عرف اليهود الأصليون باسم "بعلي هاميتزنافيت" أي مرتدوا العمائم. ‏
ألا أن هذه الاختلافات قد تلاشت مع حلول القرن السابع عشر وتأقلم السفراديم تماما بما في ذلك في لغتهم التي يتحدثونها على الحياة الجزائرية. وجاءت بعدهم مجموعة جديدة تعرف بالغورناييم (من مدينة ‏ليفورنو الإيطالية) ليستولوا على المكانة الخاصة بالنخبة. وكان هؤلاء أصلا من يهود إسبانيا والبرتغال الذين تم نفيهم من شبه الجزيرة الإيبيرية ولجئوا إلى إيطاليا من حيث وصلوا إلى الجزائر وتونس كتجار ‏أثرياء لهم علاقات دولية، واستوطنوا المدن الجزائرية الساحلية، وخاصة الجزائر العاصمة، في القرن السابع عشر. وقد عاد معظمهم أدراجهم إلى أيطاليا بعد الغزو الفرنسي للجزائر مباشرة. ‏
وقد أحيت هجرة يهود إسبانيا إلى الجزائر الحياة الاقتصادية والأخلاقية والدينية والتنظيمية بتلك البلاد وخلقت من العديد من مدنها مراكزا للعلوم اليهودية ومقرا لعلماء تلمود بارزين. ولم تضيف الهجرة الثانية ‏عام 1492 كثيرا ما عدا في مدينة تلمسان التي كانت وقتها أهم المراكز التجارية في البلاد. ألا أنه كانت هناك أثار وخيمة أخرى لهجرة اليهود إلى الجزائر، فقد نتج عن نجاحهم عداوة، ولم تمضي سوى أعوام ‏حتى قام الرعاع بتدمير أكبر وأثرى جاليتين لليهود في مدينتي تلمسان شمالا وتوات جنوبا بينما قام الإسبان باستعمار وهران وبجاية عام 1509 فسلبوا ممتلكات اليهود وباعوا أصحابها عبيدا. ولكن قادة ‏اليهود ممن كان لهم بعض النفوذ قاموا مع مرور الوقت بإقناع الإسبان بأنه من مصلحتهم السماح للجاليات اليهودية بالاستمرار في حياتها الطبيعية. ثم جاء الحكم العثماني عام 1519 وتمتع يهود الجزائر ‏بفترة من الهدوء والأمان بالرغم من وضعهم كذميين وما كان يلحق بذلك من معاملة مهينة لهم. فقد كانت أمزجة البشاوات والأمراء المحليين قانون لا إستئناف له، بينما بقت حياة اليهود وممتلكاتهم عرضة ‏لها دون أدنى حماية. وبالرغم من ذلك فقد كان حالهم أفضل في ظل الحكم التركي مما كان عليه في المدن التي تحكم فيها الإسبان، وحيث قتل العديد منهم عام 1534 في تلمسان وأسر 1500 ليباعوا رقيقا، ‏بينما نفى الإسبان يهود وهران عام 1669. أما في القرى التي استولى عليها الإسبان فقد عان اليهود الأمرين بسبب القتال بين المسلمين والمسيحيين. ‏
أما العمق الجنوبي للبلاد على الحدود من الصحراء الكبرى ووسط الواحات فقد بقى بعيدا عن متناول الأتراك والإسبان على حد سوى، وكانت لليهود البربر حياة كريمة أكثر من إخوانهم في الشمال. وبالرغم ‏من الضرائب الثقيلة والاستغلال الذي رأوه على أيدي الحكام المحليين ألا أن عدد من أثرياءهم وصل إلى مناصب ذات نفوذ بل وتعينوا سفراء إلى الدول الأوربية منذ بدايات القرن السابع عشر، مع أن ذلك لم ‏يحميهم دائما من عنف الانكشارية. وعندما أجبر الاسبان على إخلاء وهران عام 1792، دعى الأتراك اليهود للعودة إلى المدينة وإعادة بناء مجتمعاتهم فيها. وكانت المذبحة الوحيدة التي تعرضوا لها في ‏الجزائر عام 1805، نتيجة مقتل كبير مساعدي الحاكم والذي كان يهودي الأصل. ‏
على مدى قرون قبل الغزو الفرنسي للجزائر كانت الجاليات اليهودية فيها تتمتع بالحكم الذاتي، فقد كان يحكمهم شيخ اليهود (زقان هايهوديم) والذي كان يعرف أيضا بلقب المقدم وكان تعيينه يتم من قبل الحاكم ‏المسلم للمدينة. وكان على شيخ اليهود بدوره انتخاب الأعيان (غدول هاقحال). وكان من حق الجالية السفرادية في بادئ الأمر انتخاب القيميين عليها (نعمانيم)، أما أعضاء الجالية ككل فقد كانوا ينتخبون ‏مجلس قضاتهم المكون من ثلاثة من الخاخامات والمعروف باسم بيت الدين. وكان على المقدم تنفيذ قرارات بيت الدين إذ أنه كان أيضا رئيسا للشرطة والسجن. ولم يترك النزوع إلى المحافظة على التقاليد ‏المحلية (المنهاج) خيارا أمام الخاخامات إلا أن يطبقوا الممارسات المحلية، بما فيها الغرامات والجلد والتحريم في بعض الحالات البالغة. ومن المهام المكروهة التي كان على المقدم تنفيذها أيضا جمع الضرائب ‏التي كانت الدولة تفرضها على اليهود، وكانت تخصم تكاليف المجلس من الضرائب المفروضة على اللحوم والخبز الفطير إلخ. أما التبرعات للفقراء فكانت عادة ما تجمع في يوم رأس السنة العبرية، ويوم ‏التكفير (يوم كيبور) وعيد الأنوار (الهانوكا) وعيد المساخر (البوريم). ‏
أما جنوب البلاد الصحراوي فلم تلمسه الأحداث التاريخية التي عبثت بالشمال، فعاش اليهود في قرى وواحات وسط الأغلبية العربية أو البربرية المسلمة، وكانت لهم مكانة محددة في البنية الإقتصادية، مما ‏ساعدهم على تكوين مجتمع صحي عامل. ولم تتغير ظروف حياتهم إلا بعد الأحداث الدامية في منتصف القرن العشرين والتي دفعت بهم للهجرة إلى فرنسا أو إسرائيل. ومن الأمثلة على هذه المجتمعات الجنوبية ‏مدينة غرداية، أكبر مدن واحة الميزاب التي تبعد حوالى 300 ميلا جنوب ساحل البحر الأبيض المتوسط، والتي كان يقيم بها 1642 يهوديا حتى هجرتهم جميعا عام 1962. وبالغم من أن غرداية كانت هي ‏المنطقة الرئيسية لليهود إلا أن كل رجالها القادرين على العمل لم يكونوا يقيمون بها إلا أيام الفصح ورأس السنة ويوم التكفير. أما باقي السنة فقد كانوا يعملون في الواحات المجاورة، أو شمالا، مثلما كانت ‏الحال مع كل الرجال من منطقة ميزاب على اختلاف أديانهم. وقد كانت غالبيتهم تجارا تحكموا في دروب التجارة الصحراوية إلى نهايات القرن التاسع عشر، كما كان العديد منهم أيضا صياغا ومشتغلين بالنجارة ‏ودبغ الجلود، وجزارين وسمكرية وحدادين ومشاطي الصوف. وكانوا يمارسون حرفهم أينما تواجد العملاء، بل أن السمكرة والنجارة كانت حكرا عليهم في ميزاب إلى وقت هجرتهم النهائية منها. كما أن اليهود ‏كانوا يمارسون المهن التي لم يقبل عليها المسلمين لأنها كانت ممنوعة عليهم - مثل تسليف المال وجمع الضرائب بالأسواق وبيع المشروبات الكحولية. كما كانت بين اليهود عدة جماعات من البدو الرعاة التي ‏إستقر آخرها في أواخر القرن التاسع عشر. ‏
وكان يهود غرداية يشبهون البربر الشرقيين شكلا إلا في رؤوسهم التي كانت مستطيلة ودقيقة الملامح، وعيونهم السمراء ذات المسحة الحمراء عند تعرضها لضوء الشمس القوي. ,كانوا مثلهم مثل باقي ‏المسلمين واليهود العرب يزوجون بناتهم لأبناء أعمامهن. وقد علق أحد علماء الأنتروبولوجيا الذي أقام بينهم لدراستهم في خمسينات القرن الماضي أنه وبالرغم من التزاوج الشديد بين يهود الصحراء الكبرى ‏ألا أنهم لم يعانوا من العاهات الجسدية والأمراض الوراثية مثلما كان ذلك شائعا بين اليهود المقيمين في الولايات المتحدة. كما قال أن للأثرياء منهم عادة اتخاذ عاشقات من بين نساء البربر وإن أنجبوا منهن ‏فإن أطفالهم يعودون إلى دور أمهاتهم ويتربون مسلمين في كنف أزواج الأمهات. ولم يكن يسمح لليهود البربر بامتلاك الأراضي أو الإقامة في أي مدينة أخرى في ولاية ميزاب إلا غرداية، كما كان عليهم ‏إرتداء العمم السوداء والعباءات السوداء لفترة طويلة، ولما سمح لهم بارتداء ما يريدونه إختاروا الطربوش الأحمر القصير غطاء للرأس والغندورة (وهي عباءة مربعة فضفاضة من القطن الأبيض). وكانت ‏هناك جماعات يهودية جنوب غرادية، في باطن الصحراء في توات (على بعد 700 ميل من الجزائر العاصمة) حيث كانوا متحكمين في قوافل التجارة ما بين القرن الرابع عشر والسادس عشر، وفي تميمون ‏منتصف الطريق بين توات والحدود مع المغرب، وفي غرارة جنوبا حيث وجدت مجموعة لليهود مقيمة حتى الخمسينات وكانوا يطلقون على أنفسهم اسم "المهاجرين". ‏
بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر تم إبطال الحكم الذاتي لليهود وصارت المحاكم الفرنسية هي المسؤولة عن قضاياهم، واستبدل شيخ اليهود بنائب محافظ يهودي. كان لهذه الإجراءات أثر سلبي على الجالية ‏اليهودية التي تعودت على الاستقلالية في إدارة أمورها وضاق اليهود الجزائريون بها لدرجة أن العديد منهم هاجر من البلاد، فعاد الإيطاليون منها إلى ليغهورن واتجهت الطبقة الوسطي والحرفيون إلى ‏المغرب وتونس، فيما انجذب يهود هاتين الدولتين إلى الوجود الفرنسي فانتقلوا إلى مدن الجزائر الساحلية. ورافقت هذا لاترحال أيضا هجرة داخلية من قرى الباطن في الجنوب إلى الساحل الشمالي. ‏
شرع الفرنسيون في إعادة تنظيم الجاليات اليهودية على وتيرة المركزية الفرنسية، وشكلوا مجالسا دينية في المدن الكبرى مثلما كان الحال في فرنسا، بل أتوا بكبار الخاخامين من فرنسا على حساب الحكومة ‏المحتلة للعمل على "تحرير" اليهود المغاربة - أي جعلهم فرنسيو الميول. وما كان لذلك "التحرر" من أثر حسن على الجالية، فلم يمضي وقت طويل حتى ترك العديد من اليهود دينهم واعتنقوا العلمنة إسوة ‏بإخوانهم في شمال أوربا. ‏
ولكن من جهة أخرى تسببت هذه الإجرات في زيادة الاهتمام بالثقافة اليهودية الحديثة، فتأسست المطابع العبرية في جزائر العاصمة ووهران، وافتتحت مدارس دينية للتلمود والتوراة. وبدأ التحالف اليهودي ‏العالمي (‏Alliance Israelite Universelle‏) وهي منظمة يهودية فرنسية تأسست عام 1860 لنشر الثقافة والتعليم وسط اليهود، في عملها بالجزائر كما فعلت في المغرب وتونس قبلها، وكان أثر ذلك ‏خلق طبقة إنتليجنتسيا يهودية بالبلاد سعت إلى الجمع بين التقاليد اليهودية والثقافة الفرنسية. والتحق اليهود الجزائريون بالمهن العقلية من أمثال المحاماة والطب والهندسة، وأصبحوا أساتذة بالجامعات ‏وقضاة وضباط في الجيش. بل وأنهم طالبوا بالجنسية الفرنسية التي كانت قد أعطت لعدد قليل منهم كهبة من الحكومة الفرنسية حتى عام 1865، إلى أن صدر قانون عام 1870 منح 35 ألفا منهم الجنسية ‏الفرنسية مستثنيا منها يهود الباطن البربر. وبهذا لم تعد اليهودية جنسية يعرف بها الناس رسميا في الجزائر، ولكنها بقت ديانة تعترف بها الدولة. ‏
وكما هو الحال في كل دول شمال أفريقيا الحديثة فقد تلت الأحداث السياسية الكبرى عادة حركات شعبية معادية لليهود. فبين 1881 و1900 هوجمت الجاليات اليهودية في الجزائر في المدينة تلو الأخرى ‏وكانت أكثر هذه الأعمال عنفا عام 1894 بعد حادثة الضابط الفرنسي اليهودي دريفوس الذي اتهم بالخيانة، وانتخبت الجزائر 4 نواب معادين للسامية ليمثلوهم في مجلس الشعب الفرنسي بعد أسابيع فقط من ‏أعمال العنف هذه. ويقال أن منح الحكومة الفرنسية اليهود حصانة لم تمنحها للعرب والبربر كان هو السبب الرئيسي في أعمال العنف. ‏
وفي العقود القليلة السابقة لنيل الجزائر استقلالها تدهور وضع اليهود في البلاد، فقد تسبب استيلاء هتلر على السلطة في ازدياد القوى المعادية لليهود وبدأت علامات الصليب المعقوف الرامز للنازية في ‏الظهور بكثرة في مدن الجزائر وانتهي الأمر بذبح 25 يهوديا وجرح العديد منهم في مدينة قسنطينة الساحلية عام 1934. وانفجرت أزمة جديدة عند تعيين ليون بلوم اليهودي رئيسا لوزراء فرنسا عام 1936 ‏ثم عند هزم الألمان للفرنسيين عام 1940 ألغي القانون الذي يعطي ليهود فرنسا حق التصويت وقامت حكومة فيشي الموالية للألمان بتطبيق القوانين العنصرية على يهود الجزائر، مما زاد من إصرار الجالية ‏اليهودية على النجاة فقاموا بالانضمام إلى المقاومة وأداروها خير إدارة مما سمح في نهاية الأمر بتأمين دخول الحلفاء إلى العاصمة عام 1942. وكان 120 ألف يهودي يقيمون في الجزائر عشية الحرب ‏العالمية الثانية، ارتفع عددهم بعض الحرب إلى 150 ألفا. ‏
ولكن الفرحة بالنصر لم تدم طويلا فقد استمرت الحكومة الفرنسية الجديدة في الجزائر في سياساتها المعادية لليهود فأقامت معسكرات اعتقال وأقرت العديد من القوانين اللاإنسانية ضدهم، مما تطلب احتجاحا ‏شديد اللهجة من اللجنة الفرنسية للتحرر الوطني في لندن والمنظمات اليهودية العالمية وتدخل الرئيس الأمريكي روزفلت شخصيا لإرجاع الحقوق المدنية ليهود الجزائر في أواخر عام 1943. وبعد انتهاء ‏الحرب، أقر القانون العضوي للجزائر المساواة التامة لكل حاملي الجنسية الفرنسية في الجزائر دون اعتبار لأصلهم وجنسهم ولغتهم ودينهم. ‏
لم يكن لنشوء الدولة الإسرائيلية عام 1948 أثر سلبي على يهود الجزائر بل استمر استيعابهم في الثقافة الفرنسية. ولكن بالرغم من شعور اليهود بأنهم فرنسيون حقا ألا أن الفوارق الحادة بينهم وبين ‏المستعمرين الفرنسيين بقت واضحة. وأذن النضال التحرري الذي بدأ في الجزائر عام 1960 بنهاية بقاء اليهود فيها، فقد اندلعت أعمال شعب وأحرق المعبد الكبير في الجزائر العاصمة عشية ليلة الميلاد. ‏وعان اليهود الذين كانت ضواحيهم عادة محشورة بين ضواحي المسلمين العرب والفرنسيين المستعمرين من أضرار جمة بسبب هجمات من الطرفين طوال عامي 1961 و1962 مما زاد من هجرة اليهود. ‏وعندما حصلت الجزائر على استقلالها في يوليو 1962 غادر 70 ألفا من اليهود إلى فرنسا و5 آلاف منهم إلى اسرائيل بسبب المضايقات التي واجهوها من الحكومة الجزائرية التي قامت بتحريمهم من ‏حقوقهم الاقتصادية. واستمرت هجرة اليهود في الإرتفاع فلم يبقى بها عام 1969 أكثر من ألف شخص منهم. ‏
يقيم معظم اليهود الجزائريون الباقين في الجزائر العاصمة وهناك عدد قليل منهم في وهران وبليدة. وحاليا تسمح الحكومة الجزائرية لهم بممارسة شعائرهم الدينية بحرية ويشارك رؤساء الجالية في مراسم ‏الدولة الرسمية. ولكن ليس في الجزائر خاخام مقيم. ‏
وفي عام 1994 أعلنت الجماعة الإسلامية المسلحة بنيتها إقصاء اليهود من الجزائر، ومع أنه لم تحدث أية إعتداءات حتى الآن على الجالية اليهودية بالجزائر ألا أن معظم اليهود غادروا البلاد منذ الإعلان وتم ‏إعلان المعبد اليهودي الوحيد الباقي بها. وتستعمل كل المعابد الأخرى حاليا كمساجد. ‏

ليست هناك تعليقات: