الاثنين، 22 سبتمبر 2008

هل ستتحول جنوب كردفان إلى منطقة معارك جديدة عن قريب؟؟

ترى شبكة المعلومات الإقليمية المتكاملة (‏IRIN‏)‏‎ ‎التي مقرها جنيف بأن إقليم جنوب كردفان من شأنها أن تعود إليه الحرب مرة ‏أخرى بعد أن غطت على أخباره حرب دارفور والمعارك الدامية في منطقة أباي الغنية بالبترول. فجبال النوبة - مقر أقلية من البدو ‏العرب وأغلبية سكانها من مختلف قبائل النوبة المستقرة - تقع بالقرب من الحدود بين الجنوب والشمال وبقيت لسنوات طوال ‏متورطة في حربهما التي كوت السودان بنارها لمدة عقدين من الزمان تقريبا إلى أن تم التوقيع على اتفاقية السلام الشامل بين ‏الطرفين.‏

يقول تقرير مسح الأسلحة الخفيفة في العالم الصادر في أغسطس الماضي أن "جبال النوبة مثال مصغر من التوتر الذي يحيط ‏بتطبيق اتفاقية السلام الشامل، ويشعر العديد من السكان المحليين بها أنهم أهملوا من قبل المجتمع الدولي والأمم المتحدة على حد ‏سواء - ولهم في ذلك الحق الكامل.إن ارتفاع وتيرة القلاقل الإثنية في المنطقة قد يزيد من الوضع سوءً في الأشهر القادمة بشكل ‏كبير، ويجب الانتباه إلي ذلك عاجلا لكي لا يفلت زمام الأمور."‏

وبينما تركز اهتمام العالم على اتهامات المحكمة الدولية مؤخرا بحدوث إبادات جماعية في دارفور وضد الرئيس السوداني عمر ‏البشير للدور الذي لعبه فيها، بالإضافة إلى تبادل إطلاق النار في مدينة أباي الذي أجبر الآلاف من سكانها المدنيين على الهرب، ‏فإن العديد من المحللين في السودان استمروا يدقون أجراس الإنذار حول الوضع في جنوب دارفور. ‏

كتب ألكس ديوال من مجلس البحوث الاجتماعية في نيويورك على مدونته الالكترونية - "محاولة فهم دارفور" - يقول هذا الشهر ‏‏"إن مخاطر عودة الصراع المسلح العنيف والأزمة الإنسانية التي سيخلقها واضح للعيان منذ أن تم التوقيع على اتفاقية السلام ‏الشامل."‏

وبالرغم من أن جبال النوبة تعتبر رسميا جزء من شمال السودان إلا أن العديد من أبنائها انحاز إلى جيش تحرير السودان الجنوبي ‏أثناء الحرب الأهلية، لشعورهم بالتهميش من قبل الحكومة الشمالية في الخرطوم. يضيف تقرير مسح الأسلحة الصغيرة إن الإقليم ‏الذي أطلق عليه نص اتفاقية السلام اسم :واحد من أكثر ثلاث أقاليم انتقالية توترا"، لم يستفد إلا قليلا من تلك الاتفاقية، على عكس ‏مدينة أباي القريبة التي يحق لها التصويت في الاستفتاء عام 2011 الذي سيحدد إن كانت ستبقى مع الشمال أم ترغب في الانضمام ‏إلى الجنوب.‏

كتب ديوال يقول"بدلاً مِنْ تكاملِ اقتصادي اجتماعي ومصالحةِ سياسيةِ، تعمل على تسهيلها جُهودِ تطويرِ تستفيد من السلامِ، فإن ‏جنوب كردفان يستمر في كونه مكانُ للمواجهاتِ المُسلَّحةِ مما يدعو بالكثيرِين إلى التوجس من عودةً الحربِ". أما تقرير مْسحُ ‏الأسلحة الخفيفةُ فقالَ إن كلا جانبي النزاعِ يَنتهكُان اتفاقية السلام بالفعل في جنوب كردفان، ويشمل ذلك تدريب أعضاء المجموعات ‏المُسَلَّحةِ واستخدامهم.‏
لقد اكتسب الجيش الشعبي لتحرير السودان 1500 مُجَنّدَ جدّيدَ في الشهور الستّة الماضية "كجبهة المقدمة في الحربِ المتوقعة".أما ‏القوّات المُسَلَّحةَ السودانيةَ، التي كان من المَفترضُ أن تقلل من انتشارها ليصل إلى مستويات ما قَبْلَ الحربَ، فقد قامت بزيادة عدد ‏وحداتَها المنتشرة في كردفان في الشهور الأخيرة.وقالَ التقريرُ بأن قوات الدفاعَ الشعبيَ التابعة للحكومة السودانية ِ - والتي يعتقد ‏بأن عددها يبلغ حوالي 20 ألف جندي في المنطقة - تقوم بدورها بتسليح العرب.ويتم إرسال الأسلحة من الخرطوم إلى الحامية في ‏كادوقلي ليلا وتوزيعها على الميليشيات من هناك.وحسب التقرير هناك تسع مجموعات مسلحة نشطة في جبال النوبة.‏

‏"ما يزيد من احتمال نشاطِ المجموعات المُسَلَّحةِ هي أعداد المقاتلين السابقينِ الكبيرةِ في المنطقة مع الغيابِ الكامل لأي برنامجِ ‏شاملِ لإعادة دمجهم في المجتمع منذ أن انتهت الحرب المُنظَّمةَ في 2005" يضيف تقرير مسحِ الأسلحة الخفيفةَ. أما وحدة نزعِ ‏السلاح وتسريحِ وإعادة دمج العسكريين التابعة لبعثة الأمم المتحدةِ في السودان، فأن القوات المسلحة السودانية سجلت 12,000 ‏مقاتلَ سابقينَ للتسريحِ في جنوب كردفان، بينما أدرجَ الجيش الشعبي لتحرير السودان 3,000 مقاتل. ‏

وبالرغم من تأخره عن الجدول المحدد إلا أن انسحاب القوات الشمالية والجنوبية إلى حدودها المتفق عليها انتهى أخيرا في يناير ‏‏2008، مع أن انسحاب قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان لم تكن منظمة وانسحب بعض الجنود منها في الطريق. أما الوحدات ‏المشتركة المدمجة التي نشرت في المنطقة وفق اتفاقية السلام الشامل فلا تتسم بأي اندماج على الإطلاق. "لانعدام الموقع المشتركِ ‏المطلوبِ في مراكزِ التدريب، صار لدى الأعداء السابقينِ سلاسلُ قيادة منفصلةُ مِنْ القيادةِ، وتدريب، أسلحةِ، وثكناتِ.. وتبقى إدارةُ ‏المناطقِ الحكوميةِ وتلك المُدارة من قبلِ الجيش الشعبي لتحرير السودان منفصلةً. هناك نظامان حكوميانُ متوازيان حالياً في الإقليم ‏لهما سياساتِ منفصلةِ للتعليمِ (من حيث اللغة والنظام)، والقضاء والأنظمة الأمنية، ونظم حكوميةِ محليّةِ. ويحتاج المُرور من منطقةِ ‏إلى أخرى العُبُور من خلال نقاطَ التفتيش المسلحة."‏

هل يحاول التقرير إثارة الرعب؟ ‏
فهناك من يقول إن التطورات الأخيرة في المنطقة تشير إلى عكس ما يرويه التقرير تماما.‏

قال نانى توباندي، مؤلف كتاب "فخور بأن أكون من النوبة" وصاحب الموقع ‏www.nubamountains.com‏ في مقابلة مع ‏شبكة المعلومات الإقليمية المتكاملة (‏IRIN‏): "إذا راقبنا التطورات الأخيرة في المنطقة سنجد بأن هناك فرق كبير ما بين ما يرويه ‏التقرير وما هو الواقع فعلا. لا أعتقد بأن ما يقوله التقرير باطل بالكامل، ولكن هناك انجازات كبيرة من حيث الدمج بين الإدارتين ‏المنفصلتين وبين قوات الشرطة." الدراسة التي نشرت في التقرير تمت في مارس وأبريل من هذا العام، ولكن في أغسطس - حسب ‏ما ذكره توباندي - اجتمع أعضاء المؤتمر الوطني الحاكم في الشمال مع أعضاء من الحركة الشعبية لتحرير السودان في جبال ‏النوبة لحضور احتفال رسمي ببدء الاندماج الذي طال انتظاره. وأنشئت لجنة إدماج الخدمة الحكومية لتقوم بمقابلة عدد من ‏المرشحين من قبل الحركة الشعبية للعمل في المرافق الحكومية المدمجة. بالإضافة إلى ذلك بدأ المئات من ضباط الشرطة التابعين ‏للحركة الشعبية التدريب للانضمام لقوات الشرطة الوطنية.‏
يقول توباندي: "أنا آخر من يقول بأن المشاكل انتفت من جنوب كردفان، فالقول بذلك هراء.. ولكن أعتقد بأن هذه خطوة كبيرة إلى ‏الأمام وأستغرب عدم انتباه أي جهة إليها. ولا أعتقد بأن الحرب محتمة كما يقول البعض."‏


فشل الأمم المتحدة؟
يشير تقرير َمْسحُ الأسلحة الخفيفةُ إلى أنَ الاشتباكات حول الأرضِ أمر معتاد وإثني بشكل متزايد - وقد أدت هذه الاشتباكات إلى ‏أكثر مِنْ 20 قتيلا في هذا العام وحده. ووصف التقريرُ هجماتَ ميليشيات العرب الشعبية المُنظَّمةِ جيدة والمسلحة ببنادق جي 3 ‏وكلاشينكوف على النوبة. وقال التقرير أن الهجمات تضمنت اغتصاب نساء النوبة وتشويههن. ‏

يقول التقرير : "لم تقم قوات الأمم المتحدة بعَملَ شيء لتَهْدِئة التَوَتّراتِ، بالمقارنة مع الجُهودِ النشيطةِ للجنةَ العسكريةَ المشتركةَ ‏المراقبة لنزع السلاح والتي كانت أقل عددا وغير مسلحة، وتواجدت في المنطقة بين عام 2002 – و2005. المراقبونُ العسكريونُ ‏التابعون لقوة الأمم المتحدةِ لحفظ السلام في السودان غير مدعومين بالشكل الكافي ويفتقرون إلى الموارد؛ إذ ليس بها موظفين ‏دائمين للوضع المدنيِ وحقوقِ الإنسان؛ بينما يقل عدد المنظمات غير حكومية الدولية والمراقبين المستقلين الآخرين."‏

يرد قويدر زروق نائب الناطق الرسمي باسم بعثة الأمم المتحدة في السودان على هذه الاتهامات بأنها "تفتقد إلى الصحة: مضيفا أن ‏البعثة كان بها دائما موظفين للوضع المدنيِ وحقوقِ الإنسان في الإقليم وبأن صلاحيات البعثة تختلف تماما عن صلاحيات اللجنة ‏العسكرية المشتركة. ‏

أما باسل ماسي، رئيسَ وحدة نزعِ السلاح وتسريحِ وإعادة دمج العسكريين التابعة لبعثة الأمم المتحدةِ في السودان بالوكالةَ ِ فيقول ‏بوجود تقدم في مجال تسريح المحاربين. فقد عادت كلا اللجنتين الجنوبية والشمالية للوحدة الأسبوع الماضي من مهمّةِ مشتركةِ إلى ‏المناطقِ الانتقالية، بما في ذلك جنوب كردفان. وسَوف يَبْدأُ المشروعَ التجريبي لوحدة نزعِ السلاح وتسريحِ وإعادة دمج العسكريين ‏قريباً أمّا في جنوب كردفان أَو في محافظة النيل الأزرقِ.‏

قال ماسي بأنه لا يعتقد بأن بعثة الأمم المتحدة في السودان هي بهذا الضعف أو أنها فُشِلتَ في تَطبيق دورها في وحدة نزعِ السلاح ‏وتسريحِ وإعادة دمج العسكريين. "هناك الكثير مِنْ الأمور التحضيريةِ التي كان من الضروري تطبيقها قبل أَنْ نَبْدأَ. أولا، احتاجت ‏الحكومةَ إلى صيَاْغَة سياسةَ إستراتيجيةَ وسياسةَ إعادة الدمج ونهجِ التطبيقِ في المناطقِ الانتقالية الثلاث، فبدونها كَانَ من المحتمل ‏أَنْ يتحول الأمر إلى كارثةً. كُلّ هذه الشروطِ مستوفاة الآن ولِهذا نحن نستعد للبدء في المشروع التجريبي."‏

ومع ذلك يَصرُّ تقرير مسحَ الأسلحة الخفيفةَ على وجوب الانتباه مجدّداً لمنطقةِ جبالِ النوبة إذا أردنا للوضع أَنْ يَبْقى تحت ‏السّيطرة، مدعيا أن "الجمع بين الإرادة السياسيةِ الضعيفةِ، ومجتمع دوليِ منشغل بدارفور، وضعف أداء بعثة الأمم المتحدة في ‏السودان أدّى إلى فشلِ تطبيقِ اتفاقية السلام الشامل في جنوب كردفان. . . بحيث يعتبر الكثيرون خاليا الحربَ في جبالِ النوبة أمر ‏حتميا"َ.‏


ليست هناك تعليقات: