ترى شبكة المعلومات الإقليمية المتكاملة (IRIN) التي مقرها جنيف بأن إقليم جنوب كردفان من شأنها أن تعود إليه الحرب مرة أخرى بعد أن غطت على أخباره حرب دارفور والمعارك الدامية في منطقة أباي الغنية بالبترول. فجبال النوبة - مقر أقلية من البدو العرب وأغلبية سكانها من مختلف قبائل النوبة المستقرة - تقع بالقرب من الحدود بين الجنوب والشمال وبقيت لسنوات طوال متورطة في حربهما التي كوت السودان بنارها لمدة عقدين من الزمان تقريبا إلى أن تم التوقيع على اتفاقية السلام الشامل بين الطرفين. يقول تقرير مسح الأسلحة الخفيفة في العالم الصادر في أغسطس الماضي أن "جبال النوبة مثال مصغر من التوتر الذي يحيط بتطبيق اتفاقية السلام الشامل، ويشعر العديد من السكان المحليين بها أنهم أهملوا من قبل المجتمع الدولي والأمم المتحدة على حد سواء - ولهم في ذلك الحق الكامل.إن ارتفاع وتيرة القلاقل الإثنية في المنطقة قد يزيد من الوضع سوءً في الأشهر القادمة بشكل كبير، ويجب الانتباه إلي ذلك عاجلا لكي لا يفلت زمام الأمور." وبينما تركز اهتمام العالم على اتهامات المحكمة الدولية مؤخرا بحدوث إبادات جماعية في دارفور وضد الرئيس السوداني عمر البشير للدور الذي لعبه فيها، بالإضافة إلى تبادل إطلاق النار في مدينة أباي الذي أجبر الآلاف من سكانها المدنيين على الهرب، فإن العديد من المحللين في السودان استمروا يدقون أجراس الإنذار حول الوضع في جنوب دارفور. كتب ألكس ديوال من مجلس البحوث الاجتماعية في نيويورك على مدونته الالكترونية - "محاولة فهم دارفور" - يقول هذا الشهر "إن مخاطر عودة الصراع المسلح العنيف والأزمة الإنسانية التي سيخلقها واضح للعيان منذ أن تم التوقيع على اتفاقية السلام الشامل." وبالرغم من أن جبال النوبة تعتبر رسميا جزء من شمال السودان إلا أن العديد من أبنائها انحاز إلى جيش تحرير السودان الجنوبي أثناء الحرب الأهلية، لشعورهم بالتهميش من قبل الحكومة الشمالية في الخرطوم. يضيف تقرير مسح الأسلحة الصغيرة إن الإقليم الذي أطلق عليه نص اتفاقية السلام اسم :واحد من أكثر ثلاث أقاليم انتقالية توترا"، لم يستفد إلا قليلا من تلك الاتفاقية، على عكس مدينة أباي القريبة التي يحق لها التصويت في الاستفتاء عام 2011 الذي سيحدد إن كانت ستبقى مع الشمال أم ترغب في الانضمام إلى الجنوب. كتب ديوال يقول"بدلاً مِنْ تكاملِ اقتصادي اجتماعي ومصالحةِ سياسيةِ، تعمل على تسهيلها جُهودِ تطويرِ تستفيد من السلامِ، فإن جنوب كردفان يستمر في كونه مكانُ للمواجهاتِ المُسلَّحةِ مما يدعو بالكثيرِين إلى التوجس من عودةً الحربِ". أما تقرير مْسحُ الأسلحة الخفيفةُ فقالَ إن كلا جانبي النزاعِ يَنتهكُان اتفاقية السلام بالفعل في جنوب كردفان، ويشمل ذلك تدريب أعضاء المجموعات المُسَلَّحةِ واستخدامهم. "ما يزيد من احتمال نشاطِ المجموعات المُسَلَّحةِ هي أعداد المقاتلين السابقينِ الكبيرةِ في المنطقة مع الغيابِ الكامل لأي برنامجِ شاملِ لإعادة دمجهم في المجتمع منذ أن انتهت الحرب المُنظَّمةَ في 2005" يضيف تقرير مسحِ الأسلحة الخفيفةَ. أما وحدة نزعِ السلاح وتسريحِ وإعادة دمج العسكريين التابعة لبعثة الأمم المتحدةِ في السودان، فأن القوات المسلحة السودانية سجلت 12,000 مقاتلَ سابقينَ للتسريحِ في جنوب كردفان، بينما أدرجَ الجيش الشعبي لتحرير السودان 3,000 مقاتل. وبالرغم من تأخره عن الجدول المحدد إلا أن انسحاب القوات الشمالية والجنوبية إلى حدودها المتفق عليها انتهى أخيرا في يناير 2008، مع أن انسحاب قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان لم تكن منظمة وانسحب بعض الجنود منها في الطريق. أما الوحدات المشتركة المدمجة التي نشرت في المنطقة وفق اتفاقية السلام الشامل فلا تتسم بأي اندماج على الإطلاق. "لانعدام الموقع المشتركِ المطلوبِ في مراكزِ التدريب، صار لدى الأعداء السابقينِ سلاسلُ قيادة منفصلةُ مِنْ القيادةِ، وتدريب، أسلحةِ، وثكناتِ.. وتبقى إدارةُ المناطقِ الحكوميةِ وتلك المُدارة من قبلِ الجيش الشعبي لتحرير السودان منفصلةً. هناك نظامان حكوميانُ متوازيان حالياً في الإقليم لهما سياساتِ منفصلةِ للتعليمِ (من حيث اللغة والنظام)، والقضاء والأنظمة الأمنية، ونظم حكوميةِ محليّةِ. ويحتاج المُرور من منطقةِ إلى أخرى العُبُور من خلال نقاطَ التفتيش المسلحة." هل يحاول التقرير إثارة الرعب؟ قال نانى توباندي، مؤلف كتاب "فخور بأن أكون من النوبة" وصاحب الموقع www.nubamountains.com في مقابلة مع شبكة المعلومات الإقليمية المتكاملة (IRIN): "إذا راقبنا التطورات الأخيرة في المنطقة سنجد بأن هناك فرق كبير ما بين ما يرويه التقرير وما هو الواقع فعلا. لا أعتقد بأن ما يقوله التقرير باطل بالكامل، ولكن هناك انجازات كبيرة من حيث الدمج بين الإدارتين المنفصلتين وبين قوات الشرطة." الدراسة التي نشرت في التقرير تمت في مارس وأبريل من هذا العام، ولكن في أغسطس - حسب ما ذكره توباندي - اجتمع أعضاء المؤتمر الوطني الحاكم في الشمال مع أعضاء من الحركة الشعبية لتحرير السودان في جبال النوبة لحضور احتفال رسمي ببدء الاندماج الذي طال انتظاره. وأنشئت لجنة إدماج الخدمة الحكومية لتقوم بمقابلة عدد من المرشحين من قبل الحركة الشعبية للعمل في المرافق الحكومية المدمجة. بالإضافة إلى ذلك بدأ المئات من ضباط الشرطة التابعين للحركة الشعبية التدريب للانضمام لقوات الشرطة الوطنية. يقول التقرير : "لم تقم قوات الأمم المتحدة بعَملَ شيء لتَهْدِئة التَوَتّراتِ، بالمقارنة مع الجُهودِ النشيطةِ للجنةَ العسكريةَ المشتركةَ المراقبة لنزع السلاح والتي كانت أقل عددا وغير مسلحة، وتواجدت في المنطقة بين عام 2002 – و2005. المراقبونُ العسكريونُ التابعون لقوة الأمم المتحدةِ لحفظ السلام في السودان غير مدعومين بالشكل الكافي ويفتقرون إلى الموارد؛ إذ ليس بها موظفين دائمين للوضع المدنيِ وحقوقِ الإنسان؛ بينما يقل عدد المنظمات غير حكومية الدولية والمراقبين المستقلين الآخرين." يرد قويدر زروق نائب الناطق الرسمي باسم بعثة الأمم المتحدة في السودان على هذه الاتهامات بأنها "تفتقد إلى الصحة: مضيفا أن البعثة كان بها دائما موظفين للوضع المدنيِ وحقوقِ الإنسان في الإقليم وبأن صلاحيات البعثة تختلف تماما عن صلاحيات اللجنة العسكرية المشتركة. أما باسل ماسي، رئيسَ وحدة نزعِ السلاح وتسريحِ وإعادة دمج العسكريين التابعة لبعثة الأمم المتحدةِ في السودان بالوكالةَ ِ فيقول بوجود تقدم في مجال تسريح المحاربين. فقد عادت كلا اللجنتين الجنوبية والشمالية للوحدة الأسبوع الماضي من مهمّةِ مشتركةِ إلى المناطقِ الانتقالية، بما في ذلك جنوب كردفان. وسَوف يَبْدأُ المشروعَ التجريبي لوحدة نزعِ السلاح وتسريحِ وإعادة دمج العسكريين قريباً أمّا في جنوب كردفان أَو في محافظة النيل الأزرقِ. قال ماسي بأنه لا يعتقد بأن بعثة الأمم المتحدة في السودان هي بهذا الضعف أو أنها فُشِلتَ في تَطبيق دورها في وحدة نزعِ السلاح وتسريحِ وإعادة دمج العسكريين. "هناك الكثير مِنْ الأمور التحضيريةِ التي كان من الضروري تطبيقها قبل أَنْ نَبْدأَ. أولا، احتاجت الحكومةَ إلى صيَاْغَة سياسةَ إستراتيجيةَ وسياسةَ إعادة الدمج ونهجِ التطبيقِ في المناطقِ الانتقالية الثلاث، فبدونها كَانَ من المحتمل أَنْ يتحول الأمر إلى كارثةً. كُلّ هذه الشروطِ مستوفاة الآن ولِهذا نحن نستعد للبدء في المشروع التجريبي." ومع ذلك يَصرُّ تقرير مسحَ الأسلحة الخفيفةَ على وجوب الانتباه مجدّداً لمنطقةِ جبالِ النوبة إذا أردنا للوضع أَنْ يَبْقى تحت السّيطرة، مدعيا أن "الجمع بين الإرادة السياسيةِ الضعيفةِ، ومجتمع دوليِ منشغل بدارفور، وضعف أداء بعثة الأمم المتحدة في السودان أدّى إلى فشلِ تطبيقِ اتفاقية السلام الشامل في جنوب كردفان. . . بحيث يعتبر الكثيرون خاليا الحربَ في جبالِ النوبة أمر حتميا"َ.
لقد اكتسب الجيش الشعبي لتحرير السودان 1500 مُجَنّدَ جدّيدَ في الشهور الستّة الماضية "كجبهة المقدمة في الحربِ المتوقعة".أما القوّات المُسَلَّحةَ السودانيةَ، التي كان من المَفترضُ أن تقلل من انتشارها ليصل إلى مستويات ما قَبْلَ الحربَ، فقد قامت بزيادة عدد وحداتَها المنتشرة في كردفان في الشهور الأخيرة.وقالَ التقريرُ بأن قوات الدفاعَ الشعبيَ التابعة للحكومة السودانية ِ - والتي يعتقد بأن عددها يبلغ حوالي 20 ألف جندي في المنطقة - تقوم بدورها بتسليح العرب.ويتم إرسال الأسلحة من الخرطوم إلى الحامية في كادوقلي ليلا وتوزيعها على الميليشيات من هناك.وحسب التقرير هناك تسع مجموعات مسلحة نشطة في جبال النوبة.
فهناك من يقول إن التطورات الأخيرة في المنطقة تشير إلى عكس ما يرويه التقرير تماما.
يقول توباندي: "أنا آخر من يقول بأن المشاكل انتفت من جنوب كردفان، فالقول بذلك هراء.. ولكن أعتقد بأن هذه خطوة كبيرة إلى الأمام وأستغرب عدم انتباه أي جهة إليها. ولا أعتقد بأن الحرب محتمة كما يقول البعض."
فشل الأمم المتحدة؟
يشير تقرير َمْسحُ الأسلحة الخفيفةُ إلى أنَ الاشتباكات حول الأرضِ أمر معتاد وإثني بشكل متزايد - وقد أدت هذه الاشتباكات إلى أكثر مِنْ 20 قتيلا في هذا العام وحده. ووصف التقريرُ هجماتَ ميليشيات العرب الشعبية المُنظَّمةِ جيدة والمسلحة ببنادق جي 3 وكلاشينكوف على النوبة. وقال التقرير أن الهجمات تضمنت اغتصاب نساء النوبة وتشويههن.
الاثنين، 22 سبتمبر 2008
هل ستتحول جنوب كردفان إلى منطقة معارك جديدة عن قريب؟؟
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق