الاثنين، 22 سبتمبر 2008

ننعى لكم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

لا لحرية التعبير إذا عارضت شرع الله

روي براون – رئيس الاتحاد الأنسني والأخلاقي الدولي (كندا)
ترجمة سام برنر

على مدى السنوات الإحدى عشر الماضية عملت الدول السبع والخمسون الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي على إحكام قبضتها حول رقبة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – إلى أن خنقته خنقا يوم 28 مارس الماضي.

ولم تكن هذه الدول وحيدة في دفن الإعلان، فقد ساعدتها على ذلك بعضا من البلدان المشهود لها بكتم الحريات وانتهاك الحقوق – منها الصين وروسيا وكوبا – التي دعمت "تصحيحا" للقرار المتعلق بحرية التعبير قلب مفهومها رأسا على عقب. فمنذ تاريخه والمقرر العام لحرية التعبير في الأمم المتحدة عليه التبليغ عن "الإساءة" لهذه الحرية الغالية إذا – مثلا – وصلت الجراءة بأحدهم لنقد أحكام رجم الزانيات وقطع أيادي اللصوص وتزويج الفتيات في سن الثانية عشر وغيرها من مآسي الشريعة الإسلامية السمحاء.

كان السكرتير العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان قد رأي إنذارات هذا التدهور الحضاري منذ 3 سنوات مضت، عندما وصف مفوضية حقوق الإنسان السابقة بأنها "بالغت في تسييس أعمالها وانتقائيتها" وبأن الإصلاح التدريجي لن يؤدي الغرض، بل هناك حاجة للتخلص من النظام القديم وتبديله بواحد أفضل. وكان من المفترض أن تكون مجلس حقوق الإنسان هي البداية الجديدة، مجلس يدعم أعضائها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويدافعون عن مبادئها بالفعل.

ولكن هذه المجلس ومنذ أن تأسست في يونيو 2006 فشلت فشلا ذريعا في شجب وإدانة أكثر أمثلة انتهاك حقوق الإنسان فداحة وفظاعة – في السودان، وبيلوروسيا، وإيران والسعودية والصين وغيرها – وركزت جلي اهتمامها على إسرائيل دون غيرها من الدول.
وها هو حلم كوفي عنان يرقد حطاما بعد ثلاث سنوات، بينما تقف المجلس عاجزة عن القيام بدورها الأساسي, أي الدفاع عن حقوق الإنسان والترويج لها. وفي مساء 28 مارس، قضت المجلس نحبها في مدينة جنيف ومعها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يفترض أن نحتفل بذكرى إقراره الستون هذا العام.

سبب الوفاة تغيير لموازين القوى في داخل الأمم المتحدة له أثر الزلزال على هذه المنظمة الدولية. فقد داومت الدول المسلمة فيها في السنوات العشر الأخيرة على الاستعداد جيدا لضربة مارس 2008، عندما تحولت القيادة الأخلاقية للمنظمة من تلك الدول التي أسستها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي كرست مفاهيم المساواة والحريات الفردية وحكم القانون، إلى دول ولائها إلى وجهة نظر ضيقة الأفق وبالية يتم تعريفها فقط بواجب الإنسان نحو الدين والشرع ليس إلا، وإلى تلك الدول "الصديقة" التي يعتمد مستقبلها الاقتصادي والسياسي على تحالفها مع الدول المسلمة.

قاد الهجوم سفير دولة باكستان برقة تشبه انسلال سكين رفيع حاد بخبث في قلب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فقد توحي القراءة الأولي للتعديل المقترح على تجديد تفويض المقرر الخاص بحرية التعبير بأنه تعديل منطقي: "ليبلغ عن أحداث انتهاكات حق حرية التعبير حين تشكل هذه الانتهاكات تمييزا عرقيا أو دينيا.." (القرار A/HRC/7/L.24 لمجلس حقوق الإنسان)

احتج سفير كندا – تلك الدولة التي كافحت بشدة لتجديد التفويض – على هذا التعديل. فالحدود المعرفة شرعا لما يعتبر حرية تعبير منصوص عليها في البند 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الملزم قانونيا، كما تشير إليها مقدمة الإعلان. لذا فإن أي إساءة في حرية التعبير تشكل انتهاكا للحرية الدينية تقع تحت طائلة المقرر الخاص بالحريات الدينية، وإضافتها هنا ليست إلا ازدواجية لا داعي لها. وقال السفير الكندي بالأمم المتحدة إن "مطالبة المقرر الخاص بحرية التعبير بأن يبلغ عن إساءة استعمال هذا الحق سيقلب التفويض رأسا على عقب، فبدلا من أن يروج المقرر الخاص لحرية التعبير، سيقوم على مراقبتها.. وأن كندا ستسحب دعمها للقرار الأساسي إذا تمت الموافقة على هذا التعديل."

ما قاله السفير الكندي ردده سفراء عدد من الدول الأخرى – الاتحاد الأوربي، والهند، وبريطانيا (متحدثة باسم الولايات الأمريكية وأستراليا)، البرازيل، بوليفيا، غواتيمالا، وسويسرا – وقد سحبت كل هذه الدول دعمها من القرار الرئيسي بعد القبول بالتعديل معترضة على تحويل التركيز من حماية الحق إلى الحد منه. وهكذا انسحبت أكثر من 20 دولة من مجموع 53 دولة من دعم القرار.

عند التصويت، تم تُبنّي التعديل بسبعة وعشرون صوتِ مقابل خمسة عشر صوت ضدّه، وثلاثة امتنعوا عن الإدلاء بأصواتهم. وشُرِحَ المندوبُ السريلانكي بوضوح أسبابُه في دعم التعديلِ: “. . إذا قمنا بالحد الأدنى من تنظيم بَعْض الأمور فقَدْ نستطيع مَنْع حدوث العنف في شوارعِ بلداتِنا ومُدنِنا. ” بمعنى آخر لا تمارسوا حقكم في التعبير الحر لأن ذلك قد يؤدى بالمعارضة إلى انتهاج العنف! للمرة الأولي في تاريخ هيئات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة والممتد على مدى 60 عاما، تم الحد من حق أساسي للإنسان لمجرد افتراض رد فعل عنيف من قبل أعداء حقوق الإنسان. فالعنف الذي شاهدناه بسبب رسوم الكاريكاتير الدنمركية وجدت له مجلس حقوق الإنسان عذرا شرعيا إلا وهو ضرورة الحد من حرية رسام الكاريكاتير في التعبير عن نفسه. أما المخرج الهولندي ثيو فان جوخ فعليه تحمل مسؤولية وفاته وحده. وهلم جراً.

إن حرية التعبير حرية فريدة من نوعها إذ أنها الوحيدة التي تسمح لنا بالكشف عن كل انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى وإدانتها والتبليغ عنها. فبدونها – وبدون حرية الصحافة – يستحيل الكشف عن الفساد، عن العجز في إدارة البلاد، عن الظلم والقمع. ومهما كانت أهمية هذا الحق بالنسبة لنا نحن المقيمين في الغرب، فإن أهميته أكبر بالنسبة لمن يعيشون في ظل طاغوت الشريعة الإسلامية، كما شهد على ذلك بيان أصدرته 21 منظمة شجاعة لحقوق الإنسان من دول العالم الإسلامي ناشدت فيه الوفود معارضة التعديل المقترح، يمكن قرأته بالإنجليزية على الإنترنت هنا (http://www.article19.org/pdfs/press/petition-hrc.pdf). ومن هذه المنظمات معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، منظمة الحق الفلسطينية، مركز العدالة لدراسات حقوق الإنسان في الأردن، نقابة الصحفيين الأذربيجانيين، المركز البحريني لحقوق الإنسان، شبكة إذاعة واتصالات المنظمات غير الحكومية البنجلادشية، مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان، جمعية حقوقي دارفور، المبادرة المصرية للحريات الفردية، المركز العراقي للشفافية ومكافحة الفساد، التحالف التونسي للدفاع عن حقوق الإنسان، مؤسسة المهارات اللبنانية، مركز ماسلاين للإعلام البنجلادشي، منظمة حقوق الإعلاميين النيجيرية، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، مؤسسة الإعلاميين الباكستانيين، المنتدى العربي لحقوق النساء اليمني، الشبكة العربية لحقوق الإنسان المصرية، الجمعية المصرية لتحسين المشاركة المجتمعية، الجمعية المصرية لدعم التطور الديمقراطي، معهد سلامة وحرية الصحفيين في أذربيجان، وتحالف الصحفيين المستقلين الإندونيسي.

وتلت التصويت على التعديلِ فوضى لا تكاد تصدق داخل المجلس. ففي اللحظة الأخيرة، قدّمتْ كوبا تعديلاً شفهياً - وهو أمر يعارض لائحةِ الإجراءات بشكل واضح. ولكن عندما اعترض سفير كندا على ذلك قام رئيس المجلس- وهو من نيجيريا - بنقض اعتراضه. وعندما حاولت سفير سلوفينيا - نيابةً عَنْ الإتحاد الأوربي - التَدَخُّل على أساس نقطة نظام مطالبا بفض الاجتماع لمدة عشَر دقائق، أهمل تماما ولم يرد عليه. واعترض عليهم السفير المصري عندما حاولوا الاحتجاج على نقطةِ نظام أخرى لحقِّهم القيام يذلك، ليؤيد رئيس المجلس الاعتراض المصري. وبعدها طرح القرارُ للتصويت تبنته المجلس بموافقة اثنين وثلاثين صوتِا مع امتناع 15 مندوب عن التصويت، إلا أن أحد ما لم يصوت ضده.

والآن يَحتاجُ مجتمع المنظمات غير الحكوميةَ للتفكر بعناية حول إذا ما كان هناك هدف من استمرارهم في الارتباط بمجلسِ حقوقَ الإنسان، ومن الكفاح في سبيل قِيَمِ لم يعد نظامِ الأُمم المتّحدةَ يُقْبَلُ بها. أنا شخصياً لا أرى منفعةَ تذكر في ذلك. فالمجلس يتجاهل معظم الدراسات المقدمة من قبل هذه المنظمات، وخطاباتهم أمام المجلس تقاطع باستمرار بنقاطِ نظام متكرّرةِ لا علاقةِ لها بما يقال، ولا تدعم جهود هذه المنظمات حتى الوفودِ الغربيةِ التي، يا للهول، لَمْ تُصوّتُ ضدّ "التعديل" بل مجرد امتنعت عن الإدلاء لأصواتها.

وهكذا وفت المنية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كثيرا ما تساءلت عن سبب وجود دول تعتبر من ضروريات الحياة قتل مواطنيها لمجرد أنهم غيروا دينهم، أو لأن لهم منظور مختلف للحياة، عن سبب تواجدها داخل مجلس حقوق الإنسان. الآن اتضح الأمر جليا – هناك ما كان من الضروري ذبحه داخل المجلس أيضا!! فالأكذوبة الهشةً للإجماعِ الدوليِ على حمايةِ حقوقِ الإنسان والترويج لها بانت وتجلت أخيراً على حقيقتها - مجرد أكذوبة - وتَبْدو عملية تجزئة حقوقِ الإنسان أمرا لا محالة له الآن. فالميثاق الإسلاميُ المُقتَرَحُ لحقوقِ الإنسان (أي“ واجباتَ الشخص نحو الدين الإسلامي”) باقي هنا بالتأكيد، خالقا مجلسِا إسلاميِا "لحقوق" الإنسان موازيِا لمجلس حقوقِ الإنسان. ومع ذلك سَيُواصلُ مندوبو المؤتمر الإسلامي حُضُور جلسات مجلسِ حقوقِ إنسان الأُمم المتّحدةَ والسيطرة عليه ، لضمان إخصائَه وانحداره نحو عدم الفائدة الكليّ.

كتب المندوب السامي آنذاك لحقوقِ الإنسان، سيرجيو فييرا دي ميلو قبل خمسة أشهر فقط من مقتله في بغداد مع 21 مِنْ زملائِه بقنبلةِ انفجرت داخل الفندق الذي كانوا يقيمون فيه، قائلا: “ يجب أن تحمل معها العضوية في مجلس حقوق الإنسانِ مسؤولياتَ معينة. لذلك أَتساءلُ إن لم يحن الوقتَ الذي يقوم فيه المجلس بتَطوير إرشادات حول الحصول على العضويةِ فيه ونظامِ سلوك للأعضاء أثناء خدمتهم في المجلس. فلمجلس حقوق الإنسانِ واجبُ نحو الإنسانيةِ وعلى الدول الأعضاء به أنفسهم أن يَضْربوا المثلَ بتمسّكِهم بالمعاييرِ الدوليةِ لحقوقِ الإنسان - في الممارسةِ وكذلك في تطبيق القانونِ …”على الدول التي تهتم حقَّاً بحقوقِ الإنسان أَنْ تَنسحبَ فوراً مِنْ المجلسِ إلى حين توافق كُلّ الدول الأعضاء بالإضافة إلى تلك التي ترغب في أن تنتخب إليه تُوافقُ على الإيفاء بوعودِهم، وتَتعهّدُ بطَرْد أيّ دولة عضو تم توجيه التحذير لها بخصوص سجلّ حقوق الإنسان بها، وأخفقت في تصحيح الوضع بها في خلال فترة زمنيةِ معقولةِ. وفي حَالَةِ عَدَمِ حُدُوثِ ذلك، ليست هناك طريقة أخرى لتقدير جهود الشهيد سيرجيو دي ميلو مِنْ خَلْق منظمةَ بديلةَ - منظمةَ كوفي عنان للراغبينِ - يوافق أعضاءها يُوافونَ على تَبنّي تعليماتِ سيرجيو دي ميلو ونظام السلوك الذي اقترحه - ويُحاسبونَ حقيقة على الالتزام به.


ليست هناك تعليقات: