الاثنين، 22 سبتمبر 2008

التوتر يزداد بين أقباط مصر، و المسؤولون يدعون بأن الاشتباكات لا علاقة لها بالدين

بقلم مراسل جريدة النيو يورك تايمز مايكل سلاكمان (2 أغسطس 2008)‏ - ترجمة سام برنر




نهب دير في يناير الماضي، وفي مايو، خطف بعض الرهبانِ منه وضَربَوا وجلدوا بالسياط، وأمروا بالبَصْق على الصليبِ. ‏وأثناء الصيف نهبت محلات مجوهراتِ أصحابها من المسيحيين. وبلغ العنفِ مبلغا أدى بأحد الكتاب المصرين البارزين إلى ‏ابدأ قُلِقَه بشأن "فصل اصطياد" مسيحيي مصر.‏

هل تعاني مصر من مشكلة طائفية؟؟

لَيسَ طبقاً لمسؤولي أمنِها، الذين يَصرُّون بأنّ كُلّ خلاف يُمثّلُ "حادثةَ منفردةَ" تتعلق بأمر لا يخص الدين. ففي حالة الدير ‏والرهبان، قالَ المسؤولون بأن النزاعَ كَانَ في جوهره خلافأ حول الأراضي بين الكنيسةِ والمواطنين.‏

‏"يجب النظر إلى كل حادثة ضمن إطارِها الصحيحِ؛ إذ عليك دراستها كحادثة ليس إلا" قالَ ناطق بلسانَ وزارةِ الداخلية في رد ‏غاضب على الاقتراح القائل بأن المصريين يتنازعون بسبب اختلاف معتقداتِهم الدينية. وطلب عدم الإفصاح عن اسمه، وهو ‏أمر مألوفُ وسط مسؤولي الأمنِ المصريين. ‏

وأضاف "الحادثة حادثة والجريمة جريمة".‏

إلا أن جهاز الأمن المصري ينفرد بموقفه هذا..‏

فبينما تتوالي أعمال العنف والشغب وتزداد تَوَتّرات الحياةِ اليوميةِ، يقول عدد متزايد مِنْ الناسِ في مصر والمنطقةِ بأن مشكلةَ ‏الاشتباكات الطائفيةِ قَدْ صارت ملحة بشكل كبير، وبأنّ الخلافات العاديةِ أَصْبَحتْ تتسم بالطائفيةَ لبروز الهوية الدينية إلى ‏الواجهة وسط المسلمين والمسيحيين على حدّ سواء.‏

يقول جمال أسعد، وهو عضو سابق بالبرلمان ومفكر وكاتبُ قبطيُ ""يبدو وكأن هناك صراع - كُلّ واحد ضدّ الآخر - مما ‏يَخْلقُ جوّاً طائفياً متوترِا يعد الناسِ للانفجار في أي لحظة إذا تعرضوا لأي تحريضِ."‏

مصر هي أكبر دول العالم العربي من حيث عدد السكان، ويبلغ تعدادهم 80 مليون شخص، 10 بالمائة منهم مسيحيون. ‏
بالنسبة لغالبية أقباط مصر، تعتبر الأحداث الرئيسية – أي الهجوم على ديرِ أبو فانا أَو اضطرابات الإسكندرية عام 2005 - ‏حوادثَ بعيدةَ ولكنها تؤكد على عزلَتهم المُتزايدةَ في المجتمعِ المصري. والتَوَتّرِ بالنسبة لغالبيتهم أكثرُ خصوصية، كالخوفُ ‏من أسلمة أبنائهم أَو السخرية منهم أو تسميتهم "بالطابور الخامسَ".‏

‏"نحن في حالنا،" قالَ كامل نادي، قبطي شاب يُديرُ دكاناً صغيراً في حيِّ شبرا. "لا يستطيع المسلمون البوح بذلك، لَكنَّه من ‏الواضحُ بأنهم لا يَقْبلونَ بنا. لا يُمْكِنُ لأحد أَنْ يتحدث علنا عن هذه القضيةِ، لذا فمشاعرِ الجميع تَبقي دفينة صدرهم."‏

ارتفعت أصوات العرب المسيحيين الذين يشتكون على نحو متزايد من تهمّيشَهم في الشرق الأوسطِ، ويغادرونه بالأعداد كبيرةِ ‏منذ عقودَ. ويبدو الآن بأن الضغطِ على هذه الجالياتِ قد زاد حدة، سواء في العراق، أو سوريا، أو لبنان، أو الأردن أَو الضفة ‏الغربية. ففي كُلّ هذه المناطق، يَتكلّمُ المسيحيون عن سلوكِ وطنيِ معيّنِ يجَعلَهم يَشْعرونَ وكأنهم أشخاص غير مرغوب فيهم. ‏وبينما يعتبر المسيحيون العرب حكوماتهم أفضل حالا مما كَانت عليه في السابق، فهم يرون أن المجتمع بشكل عامّ أقل رغبة ‏في استضافتهم.‏

‏"نعم، نحن نشعر بأننا مهمّشون،" قالَ الدّكتورَ عودة القواص، طبيب جرّاحَ من عمَّان، الأردن، حيث مقر اللجنةِ المركزيةِ ‏للمجلسِ العالميِ للكنائسِ. وأطلق القواص وابلا َ مِنْ الشَكاوي، بدءًً مِنْ رفضِ الدولة اعتبار عيدِ الفصح عطلة وطنية إلى ‏الإصرارِ على أن يلتزم المسيحيون بالشريعة الإسلاميِة فيما يتعلق بالإرثِ.‏

التَوَتّرات الطائفية في مصر معقّدة، لأنها تتصل بالعديد مِنْ التحديات الأخرى التي تُرهقُ كاهل الأمةَ، ومنها التضّخمِ الساحقِ ‏وارتفاع البطالةِ بين الشباب.‏

ذكر العديد مِنْ المصريين حول القاهرة وفي جنوبِ مصر بأنّ الخلافات كانت في أغلب الأحيان حول الأمورِ اليوميةِ - نزاعِ بين ‏المزارعين، مشاجرة بين الطلابِ - ولكن بمجرد إثارتْها كانت تتَدهور لتصل إلى التقاذف بالسب الطائفيِ، وأحيانا لأمور أسوأِ ‏من ذلك، وقال الأستاذ أسعد أن سبب ذلك إلى حد ما كون الهويةَ الدينيةَ حاليا أكثر أهميَّةً مِنْ المواطَنةِ المشتركةَِ.‏

‏"عندما يقع أمر ما، يرجعونه دائماً إلى قضية المسلمِ والمسيحي" قالَ ثروت تقي فارس،45 عاما، وهو مزارعَ من قريةِ ‏منسفيس، التي يبلغ سكانها حوالي 33,000 شخصَ، وتقع على مسافة خمس ساعاتَ جنوب القاهرة.‏

القريةَ مدقعة الفقر، يملأ طرقُها غير المُعَبّدةُ وغير المستويةُ أطفالِ حفاةِ في ملابس رثِّة. وبالقرية كنيستان، يحرس كل منها ‏رجالِ يحملون بنادِقِ صيد. كما بها أيضاً مسجدان، حيث يقف رجال الأمن خارجهما أيام الجمعة، تحسبا لتحمس المؤمنين ‏أثناء صلاةِ، كما ذكر بعضهمََ هنا.‏
كَانَ الوقت قد قارب منتصف النهار عند زيارتنا للقرية، والفلاحين العائدون من العمل على قطعِ أرضهم الصغيرة قد تجمعوا ‏للحديث مَع جيرانِهم المسلمينِ. جميعهم جاوبنا بنفس الصيغة "أن أيّ نزاع بين المسلمِ والمسيحي "حادثةُ منفردةُ"، مردفين ‏بأنّ الحكومةَ أصرت على إبْقاء الأمور "منفردة" لذا بات المسلمون والمسيحيون يلجئون إلى الشرطة إذا كانتَ لديهم ‏مشكلةُ، وذلك قَبْلَ أَنْ تتَصاعد المسألةَ.‏

‏"بو ما عرفوش يحلوا المشكلة، بيروحوا على مركزِ الشرطة" أخبرنيَ حنا رياض، أحد سكان القرية البالغ من العمل 23 ‏عاما "صدقني، الشرطةَ ختخليهم يَحْلُّوها."‏

احتشدُ الناس حولنا بسرعة، رجال ونِساء وأطفال انضموا إلى الحديث، الذي بَدأَ بشكل غير ملحوظ بالتحول إلى شَكاوي: ليس ‏هناك ضبّاط مسيحيون في الشرطة. سكان القرية لا يَستطيعونَ الحُصُول على الترخيصِ لبِناء كنيسةِ أخرى. ليس هناك ‏مسؤولون مسيحيون كبار في محافظتهم. وبالطبع، إذا تَزوّجتْ إحدى بناتَهم من مسلم، فسوف يَقْتلونَها.‏

ثمّ فجأة اختفى الحشد، والسببُ، هو أن رجال أمنُ الدولة كَانَوا في طّريقهم إلينا بعد أن أبلغهم مخبر القريةِ عن المحادثةِ.‏

‏"دلوقت الشرطة عرفت أنّك هنا. هم قلقانين جدا الأيام دي." قالَ لي ثروت، قبل أن يختفي هو الآخرَ. ‏

مصر دولةُ استبدادية تسيطر عليها قوّةِ أمن داخليةِ كبيرة، يبلغ عدد أفرادها ضعف عدد القوات المسلحة تقريبا. وتعتبر بَعْض ‏المواضيعِ محرم الحديث عنها. ولأن الناسُ على علم بأنّ البوح بوجود مشكلةِ طائفيةِ محرّمُ تَجِدُهم حذرين جدا.‏

‏"نَشْعرُ بالضغوط علينا، َرُبَّمَا لَيسَ طوال الوَقت، ولَكنَّنا نشعر بها." أخبرنيَ أشرف حليم، صاحب محل بقالةِ في حيِّ شبرا. ‏‏"نتمتع بحريَّةُ التعبير والحرية الدينِية، ولَكنَّ في نفس الوقت نشعر وكأنهم يأمروننا بعدم الكلام أو ممارسة ديننا." ‏

أضاف أشرف "أنا، أُحاولُ أن أحافظ على مسافة بيني وبين المسلمين، علاقتنا ببعض بسيطةُ: أَعطيك هذا، تَعطيني ذاك. وهم ‏لا يُريدونَ أكثر مِنْ ذلك، في الواقع."‏

التَوَتّرُ الكامن في مصر يَندلعُ بشكل دوري في مختلف أنحاء البلاد. كانت هنا اضطرابات عندما انتشرت شائعة عن مسرحيّةِ ‏قبطيةِ تُشوّهُ من سمعة النبي محمد، واضطرابات ثانيةً بسبب خططِ لتَوسيع كنيسةَ. وعالجتْ الدولة كُلّ من الحالتين على أنها ‏مشكلة أمنِية.‏

لكن العنفَ في ديرِ أبو فانا القديم في مايو الماضي وضل بالأحداثَ إلى مستوى جديدِ. ففي تقريرِ متابعةِ أصدرَه الشهر ‏الماضي المجلس الوطني لحقوقِ الإنسان، وَصفَ الجوَّ في مصر "ببيئة طائفية على وشك الانفجار." ووبّخَ التقرير الدولة ‏لَغْضُّها النظر عن مثل هذه الحوادثِ وعدم إرْسال قوّاتِ الأمن إلا بَعْدَ أَنْ تَشتعلُ الاشتباكات."‏

قامت مجموعةِ صغيرةِ من المصرين المدونين على الانترنت بعد أن أُحبطوا بسبب الموقفِ الحكومي الناكر للواقع، بمحاولة ‏في يناير 2007 للجمع بين المسلمين والمسيحيين في حوار الكتروني. بدأت المجموعةُ التي تَدْعو نفسها "معا أمام الله"، ‏بحوالي 20 عضو من كلا الديانتين.‏
قام الأعضاء بإرسال استبيان على الإنترنتِ لقيَاْس ما يفهمه المسلمون والمسيحيون عن بعضهم البعض، وإستلموا حوالي ‏‏5,000 ردَّ، كان ثلثيهما مِنْ المسلمين، والبقيةِ مِنْ المسيحيين.‏

بين المسحُ سوء فهم عميقَ على كلا الجانبينِ، قالَ شريف عبد العزيز، وهو مؤسس مشارك مِنْ المجموعةِ ويبلغ من العمر ‏‏36 عاما أن بَعْض المسلمين اعتقدوا بأنّ الكهنةِ الأقباط يلبسون السواد ندبا على الاحتلال العربيِ لمصر في القرن السابعِ. ‏بينما اعتقد بَعْض المسيحيين بأنّ القرآنَ أَمرَ المسلمين بقَتْل كُلّ المسيحيين.‏

هَلْ اكتشفت المجموعةُ مشكلةً طائفيةً؟ بالتأكيد، قال شريف، وما يزيدها سوء هو انعدام المُناقشةِ العلنية الصريحةِ. "يَجِبُ أَنْ ‏تتغيّرَ لغة الحديث الديني على كلا الجانبينِ لأنها حاليا تحرّضُ على الكراهيةً، حتى وإن لم تفعلُ ذلك بشكل مباشر، مما يَزِيدُ ‏من التعصّب الأعمى على كلا الجانبينِ".‏


ليست هناك تعليقات: