بقلم مراسل جريدة النيو يورك تايمز مايكل سلاكمان (2 أغسطس 2008) - ترجمة سام برنر
نهب دير في يناير الماضي، وفي مايو، خطف بعض الرهبانِ منه وضَربَوا وجلدوا بالسياط، وأمروا بالبَصْق على الصليبِ. وأثناء الصيف نهبت محلات مجوهراتِ أصحابها من المسيحيين. وبلغ العنفِ مبلغا أدى بأحد الكتاب المصرين البارزين إلى ابدأ قُلِقَه بشأن "فصل اصطياد" مسيحيي مصر. وأضاف "الحادثة حادثة والجريمة جريمة". إلا أن جهاز الأمن المصري ينفرد بموقفه هذا.. فبينما تتوالي أعمال العنف والشغب وتزداد تَوَتّرات الحياةِ اليوميةِ، يقول عدد متزايد مِنْ الناسِ في مصر والمنطقةِ بأن مشكلةَ الاشتباكات الطائفيةِ قَدْ صارت ملحة بشكل كبير، وبأنّ الخلافات العاديةِ أَصْبَحتْ تتسم بالطائفيةَ لبروز الهوية الدينية إلى الواجهة وسط المسلمين والمسيحيين على حدّ سواء. يقول جمال أسعد، وهو عضو سابق بالبرلمان ومفكر وكاتبُ قبطيُ ""يبدو وكأن هناك صراع - كُلّ واحد ضدّ الآخر - مما يَخْلقُ جوّاً طائفياً متوترِا يعد الناسِ للانفجار في أي لحظة إذا تعرضوا لأي تحريضِ." مصر هي أكبر دول العالم العربي من حيث عدد السكان، ويبلغ تعدادهم 80 مليون شخص، 10 بالمائة منهم مسيحيون. "نحن في حالنا،" قالَ كامل نادي، قبطي شاب يُديرُ دكاناً صغيراً في حيِّ شبرا. "لا يستطيع المسلمون البوح بذلك، لَكنَّه من الواضحُ بأنهم لا يَقْبلونَ بنا. لا يُمْكِنُ لأحد أَنْ يتحدث علنا عن هذه القضيةِ، لذا فمشاعرِ الجميع تَبقي دفينة صدرهم." ارتفعت أصوات العرب المسيحيين الذين يشتكون على نحو متزايد من تهمّيشَهم في الشرق الأوسطِ، ويغادرونه بالأعداد كبيرةِ منذ عقودَ. ويبدو الآن بأن الضغطِ على هذه الجالياتِ قد زاد حدة، سواء في العراق، أو سوريا، أو لبنان، أو الأردن أَو الضفة الغربية. ففي كُلّ هذه المناطق، يَتكلّمُ المسيحيون عن سلوكِ وطنيِ معيّنِ يجَعلَهم يَشْعرونَ وكأنهم أشخاص غير مرغوب فيهم. وبينما يعتبر المسيحيون العرب حكوماتهم أفضل حالا مما كَانت عليه في السابق، فهم يرون أن المجتمع بشكل عامّ أقل رغبة في استضافتهم. "نعم، نحن نشعر بأننا مهمّشون،" قالَ الدّكتورَ عودة القواص، طبيب جرّاحَ من عمَّان، الأردن، حيث مقر اللجنةِ المركزيةِ للمجلسِ العالميِ للكنائسِ. وأطلق القواص وابلا َ مِنْ الشَكاوي، بدءًً مِنْ رفضِ الدولة اعتبار عيدِ الفصح عطلة وطنية إلى الإصرارِ على أن يلتزم المسيحيون بالشريعة الإسلاميِة فيما يتعلق بالإرثِ. التَوَتّرات الطائفية في مصر معقّدة، لأنها تتصل بالعديد مِنْ التحديات الأخرى التي تُرهقُ كاهل الأمةَ، ومنها التضّخمِ الساحقِ وارتفاع البطالةِ بين الشباب. ذكر العديد مِنْ المصريين حول القاهرة وفي جنوبِ مصر بأنّ الخلافات كانت في أغلب الأحيان حول الأمورِ اليوميةِ - نزاعِ بين المزارعين، مشاجرة بين الطلابِ - ولكن بمجرد إثارتْها كانت تتَدهور لتصل إلى التقاذف بالسب الطائفيِ، وأحيانا لأمور أسوأِ من ذلك، وقال الأستاذ أسعد أن سبب ذلك إلى حد ما كون الهويةَ الدينيةَ حاليا أكثر أهميَّةً مِنْ المواطَنةِ المشتركةَِ. القريةَ مدقعة الفقر، يملأ طرقُها غير المُعَبّدةُ وغير المستويةُ أطفالِ حفاةِ في ملابس رثِّة. وبالقرية كنيستان، يحرس كل منها رجالِ يحملون بنادِقِ صيد. كما بها أيضاً مسجدان، حيث يقف رجال الأمن خارجهما أيام الجمعة، تحسبا لتحمس المؤمنين أثناء صلاةِ، كما ذكر بعضهمََ هنا. "بو ما عرفوش يحلوا المشكلة، بيروحوا على مركزِ الشرطة" أخبرنيَ حنا رياض، أحد سكان القرية البالغ من العمل 23 عاما "صدقني، الشرطةَ ختخليهم يَحْلُّوها." احتشدُ الناس حولنا بسرعة، رجال ونِساء وأطفال انضموا إلى الحديث، الذي بَدأَ بشكل غير ملحوظ بالتحول إلى شَكاوي: ليس هناك ضبّاط مسيحيون في الشرطة. سكان القرية لا يَستطيعونَ الحُصُول على الترخيصِ لبِناء كنيسةِ أخرى. ليس هناك مسؤولون مسيحيون كبار في محافظتهم. وبالطبع، إذا تَزوّجتْ إحدى بناتَهم من مسلم، فسوف يَقْتلونَها. ثمّ فجأة اختفى الحشد، والسببُ، هو أن رجال أمنُ الدولة كَانَوا في طّريقهم إلينا بعد أن أبلغهم مخبر القريةِ عن المحادثةِ. "دلوقت الشرطة عرفت أنّك هنا. هم قلقانين جدا الأيام دي." قالَ لي ثروت، قبل أن يختفي هو الآخرَ. مصر دولةُ استبدادية تسيطر عليها قوّةِ أمن داخليةِ كبيرة، يبلغ عدد أفرادها ضعف عدد القوات المسلحة تقريبا. وتعتبر بَعْض المواضيعِ محرم الحديث عنها. ولأن الناسُ على علم بأنّ البوح بوجود مشكلةِ طائفيةِ محرّمُ تَجِدُهم حذرين جدا. "نَشْعرُ بالضغوط علينا، َرُبَّمَا لَيسَ طوال الوَقت، ولَكنَّنا نشعر بها." أخبرنيَ أشرف حليم، صاحب محل بقالةِ في حيِّ شبرا. "نتمتع بحريَّةُ التعبير والحرية الدينِية، ولَكنَّ في نفس الوقت نشعر وكأنهم يأمروننا بعدم الكلام أو ممارسة ديننا." أضاف أشرف "أنا، أُحاولُ أن أحافظ على مسافة بيني وبين المسلمين، علاقتنا ببعض بسيطةُ: أَعطيك هذا، تَعطيني ذاك. وهم لا يُريدونَ أكثر مِنْ ذلك، في الواقع." التَوَتّرُ الكامن في مصر يَندلعُ بشكل دوري في مختلف أنحاء البلاد. كانت هنا اضطرابات عندما انتشرت شائعة عن مسرحيّةِ قبطيةِ تُشوّهُ من سمعة النبي محمد، واضطرابات ثانيةً بسبب خططِ لتَوسيع كنيسةَ. وعالجتْ الدولة كُلّ من الحالتين على أنها مشكلة أمنِية. لكن العنفَ في ديرِ أبو فانا القديم في مايو الماضي وضل بالأحداثَ إلى مستوى جديدِ. ففي تقريرِ متابعةِ أصدرَه الشهر الماضي المجلس الوطني لحقوقِ الإنسان، وَصفَ الجوَّ في مصر "ببيئة طائفية على وشك الانفجار." ووبّخَ التقرير الدولة لَغْضُّها النظر عن مثل هذه الحوادثِ وعدم إرْسال قوّاتِ الأمن إلا بَعْدَ أَنْ تَشتعلُ الاشتباكات." قامت مجموعةِ صغيرةِ من المصرين المدونين على الانترنت بعد أن أُحبطوا بسبب الموقفِ الحكومي الناكر للواقع، بمحاولة في يناير 2007 للجمع بين المسلمين والمسيحيين في حوار الكتروني. بدأت المجموعةُ التي تَدْعو نفسها "معا أمام الله"، بحوالي 20 عضو من كلا الديانتين. بين المسحُ سوء فهم عميقَ على كلا الجانبينِ، قالَ شريف عبد العزيز، وهو مؤسس مشارك مِنْ المجموعةِ ويبلغ من العمر 36 عاما أن بَعْض المسلمين اعتقدوا بأنّ الكهنةِ الأقباط يلبسون السواد ندبا على الاحتلال العربيِ لمصر في القرن السابعِ. بينما اعتقد بَعْض المسيحيين بأنّ القرآنَ أَمرَ المسلمين بقَتْل كُلّ المسيحيين. هَلْ اكتشفت المجموعةُ مشكلةً طائفيةً؟ بالتأكيد، قال شريف، وما يزيدها سوء هو انعدام المُناقشةِ العلنية الصريحةِ. "يَجِبُ أَنْ تتغيّرَ لغة الحديث الديني على كلا الجانبينِ لأنها حاليا تحرّضُ على الكراهيةً، حتى وإن لم تفعلُ ذلك بشكل مباشر، مما يَزِيدُ من التعصّب الأعمى على كلا الجانبينِ".
هل تعاني مصر من مشكلة طائفية؟؟
لَيسَ طبقاً لمسؤولي أمنِها، الذين يَصرُّون بأنّ كُلّ خلاف يُمثّلُ "حادثةَ منفردةَ" تتعلق بأمر لا يخص الدين. ففي حالة الدير والرهبان، قالَ المسؤولون بأن النزاعَ كَانَ في جوهره خلافأ حول الأراضي بين الكنيسةِ والمواطنين.
"يجب النظر إلى كل حادثة ضمن إطارِها الصحيحِ؛ إذ عليك دراستها كحادثة ليس إلا" قالَ ناطق بلسانَ وزارةِ الداخلية في رد غاضب على الاقتراح القائل بأن المصريين يتنازعون بسبب اختلاف معتقداتِهم الدينية. وطلب عدم الإفصاح عن اسمه، وهو أمر مألوفُ وسط مسؤولي الأمنِ المصريين.
بالنسبة لغالبية أقباط مصر، تعتبر الأحداث الرئيسية – أي الهجوم على ديرِ أبو فانا أَو اضطرابات الإسكندرية عام 2005 - حوادثَ بعيدةَ ولكنها تؤكد على عزلَتهم المُتزايدةَ في المجتمعِ المصري. والتَوَتّرِ بالنسبة لغالبيتهم أكثرُ خصوصية، كالخوفُ من أسلمة أبنائهم أَو السخرية منهم أو تسميتهم "بالطابور الخامسَ".
"عندما يقع أمر ما، يرجعونه دائماً إلى قضية المسلمِ والمسيحي" قالَ ثروت تقي فارس،45 عاما، وهو مزارعَ من قريةِ منسفيس، التي يبلغ سكانها حوالي 33,000 شخصَ، وتقع على مسافة خمس ساعاتَ جنوب القاهرة.
كَانَ الوقت قد قارب منتصف النهار عند زيارتنا للقرية، والفلاحين العائدون من العمل على قطعِ أرضهم الصغيرة قد تجمعوا للحديث مَع جيرانِهم المسلمينِ. جميعهم جاوبنا بنفس الصيغة "أن أيّ نزاع بين المسلمِ والمسيحي "حادثةُ منفردةُ"، مردفين بأنّ الحكومةَ أصرت على إبْقاء الأمور "منفردة" لذا بات المسلمون والمسيحيون يلجئون إلى الشرطة إذا كانتَ لديهم مشكلةُ، وذلك قَبْلَ أَنْ تتَصاعد المسألةَ.
قام الأعضاء بإرسال استبيان على الإنترنتِ لقيَاْس ما يفهمه المسلمون والمسيحيون عن بعضهم البعض، وإستلموا حوالي 5,000 ردَّ، كان ثلثيهما مِنْ المسلمين، والبقيةِ مِنْ المسيحيين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق