الاثنين، 22 سبتمبر 2008

متى تتحول ‏الهوية الإثنية ‏إلى العنصرية؟

عام 2003، والحرب الحالية في دارفور في بدايتها، نشر المؤرخ دوغلاس جونسون كتاباً اسمه "جذور الحروب الأهليةِ في السودان ". ‏وكان استعماله لصيغة الجمعِ في عنوانِ كتابه — 'حروبِ'، ولَيسَ 'حرباً'— أمرا هامّأ للغاية، إذ جادلَ جونسون بأن الحرب الأهلية التي ‏عانى منها السودان بين 1955 و 1972 (وعرفت بالحرب الأهليةَ 'الأولى')؛ والحربُ التي مرت بها البلادَ مِنْ 1983 حتى (نظريا) ‏تَوْقيع معاهدة السلام بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان عام 2005 (ما عرف بالحرب الأهليةَ 'الثانيةَ')؛ والنزاعات ‏الداخلية الأخرى في السودان في الفترة الأخيرة، كُلّها ذات صلة طبيعية ببعضها البعض.‏

وسهل إطاره الأمر على الدارسين عند تَحديدهم لمكانة النزاعِ الحالي في دارفور ضمن تعددِ النزاعاتِ الأهلية السودانيةِ، وإظهار الترابطِ ‏بين دارفور، وجبال النوبة، وجنوب السودان. هناك علاقتان بارزتان: أولاً، يَقترحُ العديد مِنْ المراقبين بأنّ الخطاباتَ السياسيةَ لجون قرنق ‏ألهمتْ وشجّعتْ متمردي دارفور في جيشِ تحريرِ السودان الذين قيل بأن هجومهم على الحامياتِ الحكوميةِ في الفاشر عام 2003 عجل ‏بالعنفَ الحاليَ.‏

مجّدَ قرنق حلم ' السودان الجديد ' — سودان متعدد عرقياً وشاملَ اجتماعيا، أفريقي بدلاً مِنْ مُستعربَ. وقد حسد زعماءَ المتمردين في ‏دارفور قرنق و والحركة الشعبية لاحقاً على ما فازوا به في ' اتفاقية السلام الشاملِ ' التي وقعوها مع نظامِ البشير في عام 2005: وعودُ ‏بالمشاركة في السلطة والثروةِ، ودرجةِ من اللامركزيةِ السياسيةِ (مثلما كانت في اتفاقية 1972)، ولكن الآن مرتبطة بفقرةِ تراجع - ‏بمعنى التخطيط لحدوث استفتاء شعبي في المستقبل حول بقاء جنوب السودان جزءَ من الدولة الحالية أَو انفصاله عنها.‏

وإقترحَ أليكس دي وال وجولي فلنت في كتابهما "دارفور" بأنّ وفاة قرنق في حادث تحطّمِ المروحيةِ في 2005، بعد أسبوعينِ فقط من ‏تَوْقيع المعاهدةِ، كَانَ أيضاً ضربةَ لدارفور؛ لأنه لو لم يمت لوَضعَ حدا على جُهودِ النظامِ في الخرطوم لتحريض ميليشيات العرب في ‏دارفور.‏
أما العلاقة البارزةَ الثانيَة فهي أن كل النزاعاتِ - في جنوب السودان، جبال النوبة، ودارفور - تقع ضمن سياقِ التسليح العربي. ففي ‏منتصفِ الثمانينات، قررت الحكومةِ السودانيةِ تَسْليح ميليشيات العشائر العربيةِ لتَشْنَّ بدلا عنها حرباً ضدّ سودانيي الجنوبِ و"متمردي" ‏النوبة وأهالي الجبال. وكانت هذه الميليشيات الأهلية هي الشكل الأول للجانجويد الذين يُدمّرونُ دارفور اليوم، بالرغم من اختلاف التركيب ‏القبلي لهذه الميليشيات‎.‎

ومثلما كان الأمر في أواخر الثمانيناتِ والتسعينياتِ في جنوب السودان وجبال النوبة، هو الآن في دارفور: الميليشيات الأهلية في مواقع ‏المعارك كانت ولا تزال مدعومة من قبل استخبارات الحكومةِ المركزيةِ العسكريةِ وحملاتِ القصفِ الجوي. إلا أن تسليح القبائل في دارفور ‏كان لها عاملِ مؤثر خارجيِ آخرِ: ففي الثمانيناتِ، بَدأَت الحكومةُ الليبية بتَسْليح العرب في دارفور لاستعمالهم في إسقاط الحكومة التشاديِة ‏برئاسة حسين هبري.‏

وفي حركة تعكس عقيدةُ التعريب الشاذّةِ لمعمر القذافي الذي راودته أحلام بخَلْق حزامَ إسلاميَ عربيَ في الساحل الأفريقي، قامت الحكومةَ ‏الليبيةَ بتجنيد بعض عرب دارفور أيضاً إلى التجمع العربي، وهو ما وصفه أليكس دي وال وجولي فلنت ببوتقة العقيدةِ العرقيةِ العنصرية ‏العربيةِ. وفي عام 2004، أصدرَ التجمع العربي بزعامة موسى هلال (أحد أقوى زعماءِ ميليشيات الجانجويد) توجيهاً دَعا فيه مؤيديه إلى ‏‏"تغيير المعالمَ السكانية في دارفور وتفريغُه من قبائلِه الأفريقيةِ'. ‏

متى تتحول الهويَّة الإثنية العربية إلى عنصرية عربيَة؟
أوضح أمير إدريس، الأستاذ بجامعة فوردهام الأمريكية، إلى أنّ التمييز العنصري في السياقِ السودانيِ متجذّر في تاريخ العبوديةِ بالبلاد ‏وفي التوزيعِ غير المتساوي للثروات والسلطة بين المناطقِ والمجموعاتِ الاجتماعية. ولكن في الفترةِ ما بعد الاستعمار، وخاصة الآن في ‏سياق أحداث دارفور، جادلَ إدريس بأنّ التمييز العنصري قد صار أكثر حدة ضمن مناخِ من الخوفِ الذي يُحيطُ البدو العرب — الذي ‏يحيطهم الجفافِ والتصحر، والذين يملكون الكثير من الأسلحةِ ويفتقرون إلى مراعي مَسْقيةِ بشكل جيدِ، يحرضهم نظامِ مصمّمُ على ‏الاحتفاظ بسلطته من خلال سَحْق التمرّداتِ الداخليةِ. ازدهر التمييز العنصري وسط العنفِ بين العرب المُسلَّحينِ جيدِاً بشكل يسمح لهم القَتْل ‏بحرية. ولربما أمكننا أن نوسع المقولة القائلة بأن "اللغةِ هي لهجةُ لها جيشِ" لنقَول أنه في سودان اليوم، الأجناس العربية والأفريقية ‏هي انتماءات إثنية لها جيوشِ.‏

ولكن لَيسَ كُلّ الخبراء في شؤون السودان على استعداد لقُبُول الحجة القائلة أن التمييز العنصري العربيِ أَو السيادةِ العرقيةِ العربية هي ‏عاملُ حقيقيُ في نزاعِ دارفور الحالي، أَو في السياسةِ السودانيةِ الداخليةِ بشكل أوسع. فعلى سبيل المثال شكك اقتصادي التنمية مايكل ‏كيفان في مراجعته لكتاب جيرارد برونيير عن دارفور عام 2005، في زعمِ بريونيير أن الصراع العربي الأفريقيِ في دارفور لَيسَ محليَّا ‏أو إثنيا بل هو بالأحرى "وطنيَ وعرقيَ‎ ‎‏"‏‎.‎‏ وكتب كيفان قائلا أن بريونيير يبالغ بشدة في إدِّعاءه "بأنّ النخبةِ الشماليةِ تُعمّقُ مفهومَها ‏الذاتي كجماعة عرقية، تميّزها العروبةِ"، وأبدىَ شَكَّه حول ما أسماه بميول برونيير إلى السكلجة في نسب حدة أجندة التعريبِ الخاصة ‏بالحكومةِ السودانية إلى إحساسِها بالنقصِ ضمن العالم العربي الأكبرِ — أي إلى إحساسِ العرب السودانيينِ بأنهم ليسوا عربا بالشكل ‏الكافي بسبب سمار بَشَرَتهم وتجاربِهم مِنْ مُوَاجَهَة التمييزِ في الشرق الأوسطِ‎.‎

وبالرغم من ذلك يتفق العديد مِنْ الباحثين والناشطين مع برونيير في الإصرار على أنّ نوع مِنْ الوعي الذاتي العرقي يكمن وراء ‏أيديولوجية الاستعراب لدى حكومةِ السودان العربية. وقال الباقر العفيف مختار، الخبير بالمعهد الأميركي للسلام و مسؤول الشرق الأوسط ‏بمنظمة العفو الدولية متحدثا عن أزمة الهوية في السودان: "الشماليون يَعتبرونَ أنفسهم عرب، بينما العرب يَعتقدونَ عكس ذلك. إن ‏تجربةُ الشماليين في العالم العربي، وخصوصاً في الخليجِ [حيث هاجر الكثيرِون بحثا عن العملِ]، أثبتَت لهم بما لا يحتمل الشكّ إن العرب ‏لا يَعتبرونَهم عرب حقا، بل بالأحرى يعتبرونهم ((عبيد)). . . . كُلّ شمالي تقريباً في الخليجِ مر بهذه التجربةُ غير السارةُ، أي إطلاق لقب ‏‏((العبد)) عليه."‏

استنتج َالباقر بأن السودانيون الشماليون يتمنون الانتماء الكاملِ إلى الجالية العربيةِ، إلا أن تجاربَهم في العالم العربي بالخارج، بالإضافة ‏إلى تصنّيفَهم مَع 'السودِ' كمهاجرين إلى أوروبا أَو أمريكا الشمالية، زادت من شعورهم بالقلق الوجودي. وما قد يعمق من شعور ‏الشماليين بالضيق هو وعيهم المباشرِ بعدم هيمنة اللغة العربيةِ في السودان - وهي حقيقة يُمْكِنُ لأي شخص أَنْ يعقلها بمجرد أن يقضي ‏بعض الوقتِ في حافلةِ نقل عام في الخرطوم، منصتا إلى تعدّدِ اللغاتِ‎.‎

في مقدمتِهن لمؤلف حول العرق والهويةِ في وادي النيلَ (2004) لاحظَت كارولين فلويهر لوبان وخريسا رودز بأنّ دراسةَ التمييز ‏العنصري في وادي النيلَ كَانتْ موضوعَا حسّاسَا لدرجة أن أحد لم يتطرق له. فالمتّهمون بالعنصرية يَمِيلُون إلى إنْكار الأمر، بينما أولئك ‏الذين يَدّعونَ أنْهم تعرضوا إلى التمييز العنصري يشعرون بحدّة وغزاته ويَشْهدونَ بوجوده في الحياةِ اليوميةِ بشوارعِ القاهرة والخرطوم . ‏أما إلقاء نظرة ولو سريعة على الكتاباتِ السودانيةِ ما بعد فترة الإست عمار باللغتين العربيةِ والإنجليزيةِ يبين ِأَنَّ هذا الموضوعِ يحتاج ‏إلى دراسةَ أعمقَ بكثير، لأن الحديث عن العرق بصفته فئة اجتماعية في المجتمعِ السوداني ما بعد الاستعمار ، بشكل عام بين ((العرب)) ‏و((الأفارقة))، وحول المكانة السامية للعروبةِ في مراتب السودان الثقافية، أمر شديد الشيوع‎.‎

الإشاراتُ إلى التفوقِ الثقافيِ العربيِ تكثّرُ في الأعمالِ السودانية العربيةِ. فلنأخذ مثالا عملَ أحد خيرة المثقّفِين السودانيِين الشماليِين، محمد ‏المكّي إبراهيم. في دراسته (الفكر السوداني: أصوله وتطوره) التي كَتبتها عام 1965 ونَشرتْ على الأقل في طبعتين لاحقتينِ (في ‏‏1976 و1989)، وَصفَ محمد المكي الثقافة العربية السودانية كُنتَاج 'التلقيح المتبادلِ' التاريخيِ ظهر من خلاله مخلوق جديداً هو ‏السوداني الحديثَ، الذي لم يكن لا عربيا صافيِ ولا زنجيا صافيِا، بل واحدا جَمعَ بلا شك في أنسجتِه دماءِ كلاهما، وفي دماغِه إنتاج ‏الثقافةِ الأكثرِ قوة وكمالا، إلا وهي الثقافةُ العربيةُ. ويري محمد المكي إن الاستعراب مضى قدما من الناحية التاريخية عندما بدل الأفارقة ‏أديانَهم الوثنيةَ والمسيحيةَ ودخلوا الإسلامِ أَو عندما انسحبوا إلى الغاباتِ الاستوائية، فخمد صدى ثقافاتِهم الوطنيةِ.‏

كما إن التلميحات إلى الغزو الثقافيِ العربيِ شائعة أيضاً. ففي 1979، وَصفَ أحد المؤرخَين السودانيَين الشماليَين أقاليم البلادَ بالمناطق ‏التي غزاها في أوائِل القرن العشرين مثقف المسلمين السودانيينَ الشماليَين المسلمين ناشرين فيها الإسلامِ (أحمد إبراهيم نصر، الإدارة ‏البريطانية والتبشير الإسلامي والمسيحي في السودان، 1979)، بينما مدح مؤرخ آخر في أوائل التسعينيات موظفي الحكومة السودانية ‏الشماليين الذين، عند إرسالهم إلى أقاليم السودان، هبوا إلى المعركةِ ملوحين بأسلحةَ العِلْمِ الحديثِ وسط البيئة المحيطةِ التي كانت تشبه ‏شيئا من العصر الحجري (مرغني حسن على، شخصيات عامة من الموردة، 1990).‏

وهناك وفرة من القراءات حول العرق، حتى في تلك الحالاتِ التي يقلل الكتاب من أهميتها. ففي أواخر الستّيناتِ، على سبيل المثال، أعلن ‏المؤرخُ مدثر عبد الرحيم عدم أهمية الفاصل العربي - الأفريقيِ، وجادلَ بأنّه يجب فهم السودان كمركّب أفرو-عربي. وكتب يقول أن ‏المفهوم العامي لكلاهما [العربي والأفريقي]، يدل على نوع من المجموعاتِ العرقيةِ وبالتالي تعتبرا متعارضة، في حين إن العروبة علاقة ‏لغويةُ وثقافيةُ غيرُ عرقيةُ تَرْبطُ بين أعراق عديدةَ: الأسود، والأبيض والأسمر‎. ‎

وفي عام 1972 وبنبرات شبيهة كتب الباحث المصريِ في الأدبِ العربيِ السودانيِ، عبد المجيد عابدين، عن خليط السودان العربي - ‏الأفريقي، جازما بأن العرب ببساطة هم من يتحدثون العربَية، وبعدم وجود اختلاف بين عربي أصيل ومُسْتَوْعبِ، وبأنه يمكن للسودِ أَنْ ‏يَكُونوا عربأ أيضاً. ' وجادل عابدين بأنّ العروبةِ قد تَجاوزتْ القبليّةً والتمييز العنصري، وأن الهويةَ العربيةَ كَانتْ هي القوةَ الوحيدةَ القادرة ‏على ربط المجموعات المختلفة في السودان معا، بل وتمادى أكثر من ذلك مصرحا بأنّ التزنج أمر انقسامي لأن الزنج مختلفون كثيرا عن ‏بعضهم البعض ويفتقرون - حسبما ادعى - إلى أسس اللغةِ أَو الحضارةِ. "إن الدعوة إلى التزنج تقود إلى دعوة للانقسام، والتجزؤِ، ‏والقبليّةِ في هذه البلادِ."‏

والمهم بالطبع هو شكل الاستعراب والعروبة في واقع السودان ولَيسَ ما يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عليه طبقاً لمنظريها. وقد علق البروفيسور ‏بورانج نيومبي من جامعة نيروبي في مقالته "البقاء أم الهلاك: مستقبل اللغات المحلية في جنوب السودان" فيما يتعلق برغبةَ القوميين ‏السودانيينِ الشماليِين في نشر اللغة العربية والإسلامِ، فقال بأنها ما كَانتْ بأهدافَ سيئةَ في حد ذاتها، ولكن حماسَ الشماليَين المفرطَ في ‏أسلمة الجنوبيين وتحويلهم إلى متكلمين باللغةِ العربِية بأسرع ما يمكن كثيرا مُا انجرف نحو السياساتِ المتطرّفةِ وعديمة التسامحِ.‏

كما أشار الدكتور أمير إدريس إلى أنّ أنظمةِ الحكم السودانيةِ التي أعقبت الاستعمار عاملت غير العرب والعرب كما ولو كانت لهم ‏استحقاقات مختلفُة. فالذين اعتبرتهم الحكومة المتعرقة عربا عملوا كمواطنين، بينما عومل من ارتأتهم من غير العرب كرعايا. وهناك ‏آخرون يرَفضون الإدّعاءاتَ الشمولية للعروبةَ: البعضُ منهم لم يرد أن تكون للسودان وحدةِ ثقافيةِ؛ وبعضهم فضّلَ أن يعترف السودان ‏بالاختلاف ويقبل به. هذا الرفضِ للثقافة الواحدة والاستيعاب هو ما دَفع بجون قرنق في النهاية الأمر إلى المطالبة بالسودان الجديد، ‏‏"متعدد الأديان واللغات والأعراق وديمقراطي وعلماني ومتحد".‏

اعتزت الحكوماتُ السودانيةُ المتعاقبةُ — البرلمانيُ منها والدكتاتوريُ على حد سواء— كثيرا بمثال السودانيِ العربي لدرجة أنها أصرّت ‏على أن يكون الاستيعاب، بدلاً مِنْ التعدّديِة الشمولية والقبولِ بالتنوع، هو المنظور الأوحد لا غير للوحدةِ الوطنيةِ. وفي مُحَاوَلَتها مُتَابَعَة ‏أجنداتها في إطار الحروب الأهليةَ، قامت هذه الحكومات بتحويل الاستعراب والأسلمةَ إلى سياساتِ عسكريةِ. وكان نظامُ البشير واضحَ جداً ‏فيما يتعلق بهذا الأمر: فقد أعلن البشير أعلنَ في التسعينياتِ بأنّ نظامَه "يكافح في سبيل وجودَ السودان العربي المسلم"، وبأنّ سياساته ‏لفَرْض الشريعة واللغة العربيِة ما هي سوى انعكاس لإرادة الله، وبأنّ حربُه ضدّ المنشقّين جهادَ.‏

لكن السياساتَ التي نسبها البشير إلى الله لم تولد سوى الغضب، خصوصاً لأن نظامَه دعم التعريب في بلادِ ذات ثقافةُ سياسيةُ واقتصادية ‏أخذ فيها العرب كل شيء بعد الاستقلال. وفي مايو عام 2000، وزع في الخرطوم خلسة كتاب مجهول المؤلف عنوانه "الكتاب الأسود" ‏بعد أن تخطى الرقابةً الحكوميةً. وقال مؤلفه أن يريد أن يبين "ما يعرفه الجميع ولا يتحدث به أحد"، وهو أن الأغلبية الساحقة من ‏الوظائف الحكوميةِ في الخرطوم، مِنْ وزراءِ إلى سائقي سياراتهم وكُلّ ما بينهما من البيروقراطية، يملؤها أفراد مِن ثلاث قبائل عربية لا ‏يمثل إجمالي أعضائها سوى5.4 بالمائة مِنْ السكانِ. البعضَ تَدّعي بأنّ مؤلفيَ الكُتُاب على علاقة بحركةِ المساواةَ والعدالةَ، إحدى ‏المجموعاتِ المتمردة التي حملت السلاح في دارفور عام 2003.‏

بلغ عمقُ الامتعاض اليوم حدا بات العديد مِنْ السودانيين غيرِ العرب يتطلعون معه إلى نُخَبِ القبائل النيلية العربيةِ في الشمال على أنهم ‏غرباء، أعداء، ومستعمرين ومغتصبين لأرضهم — وليس بالتأكيد كالمواطنين مثلهم. وتواصل اللغةِ العربيةِ انتشارها كلغة مشتركة، ‏خصوصاً في دارفور (بما في ذلك داخل معسكراتِ النازحين )، وبين اللاجئين السودانيينِ الجنوبيِين، وفي القرى الجنوبيةِ، مع أن الهويةِ ‏العربية والأيدلوجية العربية قد فقدت جاذبيتها أكثر من أي وقت مضى‏‎. . . .‎


ليست هناك تعليقات: